قلباً بقلب.. نخلق للتأتأة حديث ...شرف خليل

من منطلق توعوي وتثقيفي، إضافة إلى توفير المساعدة والدعم لذوي الأطفال الذي يتأتأون إرتأيت بجهودٍ شخصية أن أقيم أول لقاء يجمع بين أولياء أمور هؤلاء الأطفال في عيادتي الصغيرة بتنسيق شخصي بينهم وبتحضير دقيق قائم على أحدث البحوث والدراسات في مجال التأتأة واضطرابات الطلاقة الكلامية. ولأن الثاني والعشرين من أكتوبر يصادف اليوم العالمي للتوعية بالتأتأة فمن واجبي أن أقف وقفة خاصة لذلك.

لستُ هنا بصدد كتابة مقال علمي يشرح ماهيّة التأتأة أو أنواعها وغيرها من المعلومات التي صار من السهل الوصول إليها عبر المنصات المختلفة، ولكنّي بصدد الحديث عن الدور المهم للعائلة المحيطة بالشخص الذي يتأتأ سواء كان طفلاً أم بالغاً. السيناريو الذي يضعه الأهالي في تصورهم من خلال أخذ الطفل لاخصائي النطق واللغة كالتالي: سنأخذ الطفل لجلسات النطق وبعد مدّة زمينة بقدرٍ معين يجب أن تختفي هذه التأتأة وكأنها ضغطة زر أو حبة مسكن لألم الرأس.

"الموضوع الذي يغفل عنه الأهالي هو دورهم الأساسي وليس التكميلي، وهذا الدور الذي يجب أن نشرحه لهم من خلال هذه اللقاءات". (Kelman & Nicholas, 2008) فمن غير إدراج الأهل في العلاج، الاخصائي سيكون عاجزاً بمفرده عن العمل خارج حدود غرفة العلاج.

نصادف في حياتنا العملية كثير من الأهالي الذين يعيشون في رعب وخوف وقلق أكثر من الطفل الذي يتأتأ وهذا ما يخلق الشعور عينه عند الطفل إذا استمرت هذه المشاعر وتفاقمت. على سبيل المثال: عندما يكون الطفل ووالداه في مكان عام "مطعم مثلاً" ويبدأ الطفل بالحديث وتبدأ التأتأة بالظهور، تتدخل الأم مثلًا لتكمل الحديث عن ابنها بتوتر وقلق خوفًا من ردّة فعل الآخرين تجاه تأتأة ابنها، ونتيجة لذلك يعاود الطفل النظر إليها وكأنه يقول فهمت الرسالة! مع تكرار مثل هذه المواقف أو غيرها يتركز مفهوم الإنسحاب من المواقف الكلامية عند الطفل، والتي تؤثر على مفهوم قيمة الذات ومن ثم الحساسية من التأتأة في كل جوانب الحياة. وكل هذه التحولات السلبية قد تكون بسبب تصرف عفوي، فطري، غريزي في الأم كرغبة منها لحماية ابنها من التنمر أو السخرية أو ماشابه.

كم من فكرة مغلوطة كهذه، أو غيرها من الأفكار لا تزال موجوة عند الأهالي، وأهمها هي الهمس عند الحديث عن التأتأة وكأنها جرم أو عيب. وهذا سلوك نتيجة الأفكار الشائعة أنه عند الحديث عن التأتأة مع طفلي فمن المحتمل أن ألفت انتباهه لها وأضاعفها عنده، على الرغم من أن كل التوجهات العلمية الحديثة نفت هذه الفكرة حتى مع الأطفال الأصغر عمراً وما قبل سن المدرسة. فطالما كان هذا الطفل يسأل عن سبب حدوث التأتأة ويشعر بما يحدث معه لماذا أخفيها عنه وكأنه قد ارتكب عيباً. لذا المنحى العلمي الحديث يدعو إلى الشعور بالحرية والانفتاح عند الحديث عن التأتأة مما يُطمئن الطفل ويجعل شعوره متزن تجاه التأتأة، والتعامل معها بدل من  Respond instead of Reactتكوين ردة فعل سلبية تجاهها.

 

يتمحور أغلب المشاعر التي يكونها الأهالي حول الخوف على مستقبل الطفل، والقلق، والاحباط، والضيق والأخطر هو لوم الذات. هذه المشاعر السلبية تتركز عند الوالدين في لحظات التأتأة عند الطفل بدلًا من توجيه انتباههم للحظات الطلاقة واسترسال الكلام من غير تأتأة. كما يصبح شغلهم الشاغل تصيّد هذه اللحظات من غير الاستماع الفعلي لحديث الطفل أو كلامه، بالتالي يدخلون في دائرتهم السلبية الخاصة من الأفكار ومن ثم المشاعر فالسلوك.

التركيز على مهارات القوة لديه وتنميتها بدل التركيز على جوانب الضعف عند الطفل عامل مهم وحيوي. فعندما يتم تعزيز الطفل عند إنتاج الكلام الطلق فقط وإهمال بقية جوانب القوة لديه، نحصر بذلك فهم الطفل لذاته وتقديره لذاته في هذا الجانب فقط. تقبّل التأتأة هي أهم عامل لمواجهة هذه المشاعر وتعلم أساليب التعامل معها ومع الطفل.

من الأمور التي يظنها الأهل أيضا أن هذا الطفل يقوم بتقليد فلان في المدرسة أو يقلد تأتأة أحد الأقارب. لو طُلب منك كقارئ أو ولي أمر أن تقلد التأتأة سترى أنه من المستحيل أن تتمكن من تقليد التأتأة لفترة طويلة، كون التأتأة سلوك نطقي حركي معقد يتطلب جهد وتركيز .

للحديث تتمة، ولا أظن أنه الحديث حول التأتأة ينتهي هنا. لكنها دعوة مني لكل أم وأب للانضمام لنا، للمجموعة التي بدأتُ بها وسأنطلق منها بلا حدود.

 من يحب أن ينضم فأهلًا وسهلًا.

 

 

شرف خليل

اخصائي نطق ولغة