لوجستيات الرعاية الصحية خلال الكوارث الطبيعية ...حسين الشيخ

عند حدوث كارثة طبيعية كالزلازل  والفيضانات والأعاصير يتغير شكل ونوعية  الرعاية الطبية المقدمة بشكل دراماتيكي لعدة أسباب مهمة. السبب الأول هو أن المستشفيات بما فيها من معدات طبية وأدوية تكون تعرضت للدمار والسبب الثاني هو أن أفراد الطاقم الطبي قد يكونوا من ضحايا الكارثة الطبيعية والسبب الثالث والأكثر تعقيدًا هو أن كل البُنى التحتية كشبكة الطرق والمطارات والموانئ وشبكات الاتصال تكون مدمرة ومتوقفة عن العمل مما يجعل مهمة تأمين اللوازم الطبية مهمة صعبة.

الحل الأكثر شيوعًا وبساطة لهذه المشكلة هو عمليات الإنزال الجوي (Airdrops)  للوازم الطبية ولكن تكمن مشكلة هذه الطريقة في كونها عشوائية وقد تصل اللوازم الطبية لأشخاص ليست لديهم الخبرة في التعامل مع المعدات المرسلة وطرق استعمالها, والمشكلة الأخرى هي التنافس بين الضحايا للحصول على المعدات الطبية التي تكون نادرة للحفاظ على حياتهم مما يثير العنف بين الناس للحصول على المواد اللازمة للحياة.

في بعض الأحيان تكون بعض المستشفيات غير مدمرة وقابلة للاستخدام ولكن في المراحل الأولية يتم تجنب استخدامها بناءًا على توصيات المهندسين كونها قد تضررت بشكل غير مرئي مما يجعلها مرافق خطرة خصوصًا مع احتمالية حصول هزات ارتدادية (Aftershocks) مما يزيد من خطر إصابتها بالدمار وبالتالي تفاقم المشكلة أكثر. هنا يبدأ دور اللوجستيين بتوفير حلول بديلة ومنها إنشاء مستشفيات في خيام مؤقتة بعيدًا عن المباني لتفادي لتقليل تأثير أي هزات ارتدادية. نظرًا لمحدودية اللوازم الطبية وعدد أفراد الطاقم الطبي, يتم تقديم الخدمات الطبية عادة وفقًا لنظام التصنيف الطبي (Triage system) لتحديد الحالات الأكثر خطورة ومعالجتها أولًا ولكن للأسف شهدت بعض الكوارث الطبية تجاهل حالات خطيرة تحت ذريعة أن إصابة بعض الضحايا خطرة ولا مبرر لاستنفاذ الموارد الطبية المحدودة أصلًا لعلاج أشخاص هم للموت أقرب من الحياة.

بعد استقرار أرض الحدث والتأكد من عدم وجود هزات ارتدادية هنا يبدأ إرسال طواقم طبية وفرق إنقاذ من الخارج, حيث أن البدء بإرسال فرق إنقاذ من الخارج بعد الحدث مباشرة قد يحول فرق الإنقاذ إلى ضحايا آخرين مما يعقد المشكلة أكثر فالقاعدة هي عدم إرسال أفراد للإنقاذ قبل استقرار الوضع الميداني لعدم جدوى التضحية بفرق الإنقاذ لمحاولة إسعاف ضحايا آخرين مما شأنه أن يزيد عدد الضحايا وبالتالي زيادة كمية الموارد اللازمة للإنقاذ خلال أوضاع متردية أصلًا. في كثير من الأحيان تكون فرق الإنقاذ من دول مختلفة تقدم مساعدات إنسانية أو فرق الأمم المتحدة ولكن هذا يخلق بعض المشاكل في التواصل بين المصابين وفرق الإنقاذ, فعلى سبيل المثال الضحايا في دولة أفريقية أو لاتينية أو آسيوية قد لا يتكلمون اللغة الانجليزية. من هنا يتم الاستعانة بأطباء وأفراد ينتمون للدولة المنكوبة ومهاجرين للخارج فيتقنون لغتهم الأم بالإضافة للغة الانجليزية ليتعاونوا مع فرق الإنقاذ العالمية في تسهيل عمليات علاج وتأهيل الضحايا.

ومع مرور الوقت وتحشيد الموارد بالإمكان تقديم حلول لوجستية أكثر فعالية. فعلى سبيل المثال هناك السفينة الطبية الأمريكية كومفورت ((Comfort وهي عن عبارة عن مستشفى متنقل يحتوي على 500 سرير وغرف عمليات وتم إرسالها في عدة مهام إنقاذ خلال الكوارث الطبيعية. أيضا يتم استخدام الطائرات المروحية (Helicopters) التي توفرها الدول أو المنظمات الدولية للمساعدات الإنسانية لنقل المرضى للدول المجاورة لتلقي العلاج اللازم.

أيضًا وبما أن الموانئ والمطارات والطرق تكون مدمرة تأخذ بعض الدول والشركات أو المنظمات زمام الأمور للمساعدة, فعلى سبيل المثال يتم جلب أرصفة ميناء عائمة (Floating Causeway) بدلًا عن أرصفة الميناء التي تعرضت للدمار وبالتالي يمكن للسفن المحملة باللوازم الطبية الرسو ونقل المستلزمات للداخل. العملية مشابهة لطائرات الإنقاذ حيث تعمل الدول المجاورة والمنظمات الدولية على تنظيم حركة الملاحة الجوية وتوفير أجهزة الاتصال لتنظيم هبوط وإقلاع الطائرات المحملة بالمساعدات الإنسانية لأن برج مراقبة الحركة الجوية (Air Traffic Control) يكون قد تضرر أيضًا.

عند وصول السفن للميناء العائم أو هبوط الطائرات للمطار تكون شبكة الطرق مدمرة ومن الصعب جدًا تأهيلها لتوصيل المساعدات للمحتاجين. من هنا تبدأ مبادرات من بعض الشركات اللوجستية مثل ‘Agility’  و ‘UPS’  و ‘FedEx’  و ‘DHL’ أو أي شركات لوجستية أخرى بتحشيد شاحناتها ونظم تحديد المواقع والعمال لتوظيفهم في تحديد الطرق الآمنة والغير متضررة وتوصيلها للمستحقين كون هذه الشركات تملك الخبرة الكافية بطرق الملاحة البرية.

كل كارثة طبيعية تتطلب عمليات لوجستية فريدة من نوعها حسب نوع الكارثة والطبيعة الجغرافية للدولة وموقعها وما ذكر يمثل نظرة عامة عن دور العمليات اللوجستية في  تقديم الخدمات الطبية خلال الكوارث الطبيعية.

 

حسين الشيخ

متخصص إدارة اللوجستيات العالمية