الحُروف الأربعة من كلمة توحُد تقودك إلى معاني عميقة جداً.. ومن خلال سنوات العمل الطويلة والخبرة المُكتسبة خلالها والتجارب التي ممرتُ بها، أجدُ في كل يوم يمر تفسيرات عديدة لمعنى كلمة (توحُد) .
في الآونة الأخيرة وأنا أتصفح تطبيق (الإنستغرام) لفتت نظري حادثة أب لطفلتين مصابتين بنوعين من الاضطراب: التوحُد، وفرط النشاط .
أنقلها على لسان حال الأب: " كُنتُ في مطعم مع ابنتيَ، وكانتا تصرخان وتُصدران أصواتاً غريبة وملفتة للأنظار مع بعض السُلوكيات المُعتادة لأي طفل مُصاب بهذه الاضطرابات".
شعرتُ بأن قلبهُ ينزف وجعاً وهو يروي ما حدث داخل المطعم وردة فعل البعض من الناس إزاء ذلك، فيقول الأب "سمعتُ أحداً يقول لصاحبه "يقولون فيهم توحُد!" بأسلوب استهزاء واستغراب، وأخرى احتضنت طفلها وقالت له: "ماما لا تطالع هذلين ترا شكلهم مجانين""
شعرتُ أنهُ يتوجب عليّ سرد هذه الحادثة التي تكررت في الأماكن العامة مع أولياء الأمور في منبر (الطبي) بغرض تثقيف المجتمع بشكل أوسع ماذا يعني التوحُد؟ ولماذا يشعر الأغلب من الناس بالخوف حين سماع أن طفل فلان مُصاب بالتوحُد وكأنما هم أمام وحش كاسر.
إذاً لنحُول تاء التوحد إلى تاء التقبُل والتوعية للمجتمع لهذا الاضطراب، فهو اضطراب عصبي نمائي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل وبأنماط سلوكية مُكررة أو مُقيدة. الطفل الذي يُعاني من اضطراب التوحُد كأي طفل طبيعي لديهِ الكم الهائل من المشاعر والأحاسيس ولكن طريقته للتعبير عنها مُتفردة وقد لا يُدركها بشكل صحيح.
الطفل المُصاب بالتوحد يُترجم مشاعره على هيئة سُلوكيات كالضحك بشكل هستيري والبُكاء في آنٍ واحد، ورفرفة اليدين، والدوران بشكل سريع، ووضع كلتا يديه على أذنيه وغيرها الكثير من السلوكيات التي سبق لي ذكرها وذكر أسبابها في مقالات سابقة.
إلى عامة الناس.. قد لا تعرفون اضطرابات التوحد بشكل جيد، فالطفل التوحدي حساس جداً لمن هم حوله وسريع التعلق بمن يعاملونه بحنان وعطف لما لهُ من سحر عجيب على التوحدي، ومن أهم أسباب العلاجات الإيجابية دمج هذه الفئة المتميزة في المجتمع شرط أن تكون مصحوبة بالحُب الصادق والمشاعر الإنسانية الراقية تجاههم.
لذلك "يقولون فيه توحُد" تعني: أنك طفل توحد، يجب عليَّ تقبل اختلافك وأشاركك عالمك الجميل.
"يقولون فيه توحُد".. يعني أنكَ طفل توحدي تفتقر إلى التواصل الاجتماعي، إذاً سأدمجك مع أطفالي وسأرسم البسمة على ثغرك أنتَ وذويك.
"يقولون فيه توحد": يعني أنكَ طفل ميزكَ الله عن بقية الأطفال وأنا فخور لأنك هُنا معنا وسأمنحك الحُب والاحتواء.
زهراء داوود
فني سلوك