تحدثتُ في العدد السابق، عن أهمية أن نكون ثنائيي اللغة في زماننا الحاضر، لما يشهده العالم من انفتاح، واحتياجنا للغة الثانية إضافةً للغتنا الرئيسية لغة مجتمعنا وثقافتنا التي لا يمكن أن نستغني عنها أيضًا. وسعيًا لذلك؛ يعمل آباء وأمهات لجعل أولادهم ثنائيي اللغة كذلك. ولكن هنالك الكثير من التساؤلات، والممارسات الخاطئة التي يجب أن نوضحها، ليستفيد أبناءنا أكثر استفادة ممكنة، فنعم للممارسات العلمية الصحيحة المثمرة، ولا للعشوائية.
الطريقة الأولى هي الاكتساب المتسلسل، أي أن يتم تعلم اللغة الرئيسية (اللغة العربية) في المنزل، عن طريق التحدث مع الطفل منذ ولادته بهذه اللغة، وبعد وصوله لسن المدرسة يبدأ تعلم اللغة الثانية (اللغة الإنجليزية)، حيث يتم تدريس اللغة الإنجليزية منذ مرحلة رياض الأطفال، وهناك بعض المدارس الخاصة التي تعتمد على اللغة الثانية كلغة رئيسية في البيئة المدرسية وفي جميع المواد الدراسية. وهذه الطريقة هي الطريقة الأكثر شيوعًا في مجتمعنا.
ولكن مع تطور مجتمعاتنا أكثر، وازدياد وعينا لأهمية اللغة الثانية، وبسبب أن هذه الطريقة في كثير من الأحيان قد لا تنجح بإكساب الأطفال اللغة الثانية بنفس مستوى لغة المتحدثين الأصليين لهذه اللغة، أو بسبب الوقت الطويل الذي يسير فيه المنهج التعليمي، بالإضافة لتدريسه من قبل معلمين لغتهم الرئيسية تختلف عن اللغة الثانية التي يدرسونها، وذلك في معظم المدارس الحكومية العربية. مما يدفع الكثير من الآباء إلى البحث عن بدائل أفضل لتعليم أبنائهم للغة الثانية.
الطريقة الثانية فهي الاكتساب المتزامن، أي أن يبدأ الآباء بالتحدث لأبنائهم بلغتين على حدٍ سواء منذ ولادتهم. وهي الطريقة الأفضل إذا تمت بالشكل الصحيح. فكلما بدأ الطفل بتعلم اللغة الثانية وهو أصغر سنًا كلما تمكن من اتقانها بمستوى متحدثي اللغة الأصليين، حيث ذهبت الكثير من الدراسات - خاصةً أحدثها - إلى أن هنالك مرحلة حرجة لتعلم اللغة، وتبدأ هذه المرحلة منذ الولادة، وذهب بعض الباحثين إلى أن هذه المرحلة تنتهي عند عمر الست أو السبع سنين، وآخرون ذهبوا إلى أنها تمتد حتى عمر السبعة عشر أو الثمانية عشر سنة، ولكنهم لاحظوا أن هنالك انخفاض في قابلية تعلم اللغة الثانية بعد عمر العشر سنوات، فمن يتعلم اللغة الثانية من عمر العشر سنوات حتى الثمانية عشر سنة، من الصعب جدًا أن يصل لمرحلة اتقان اللغة كما يتقنها أصحاب اللغة الأصليين، لأنهم كلما كبروا سنًا قلة قابليتهم لتعلم اللغة، فينصح الباحثون بأن من يريد لأبنائه أن يتقنوا اللغة الثانية يجب أن يبدأ بتعليمهم (أو تعريضهم للغة) قبل عمر العشر سنوات. وبما أن الأطفال يتعلمون لغتهم الأولى عن طريق استماعهم لوالديهم، وتقليدهم، وتفاعلهم مع من حولهم، فكذلك بالإمكان تعريضهم للغة ثانية منذ ولادتهم لكي يكتسبوها أيضًا؛ مما سيوفر علينا الجهد والوقت والمال عندما يكبرون سنًا. ولكن يجب أن يتم ذلك بالشكل الصحيح، فكيف ذلك؟
واحدة من أشهر الاستراتيجيات التي يستخدمها الكثير من الآباء والأمهات هي (شخص واحد = لغة واحدة)، فتتحدث الأم باللغة الرئيسية فقط مع الطفل، ويتحدث معه الأب باللغة الثانية فقط. فقد تم ذكر هذه الاستراتيجية منذ أكثر من مائة عام، ولكن بعض الأبحاث الحديثة بينت أنها ليست دائمًا تؤدي إلى اكتساب اللغتين بشكلٍ ناجح، ولكن توجد بعض الحالات، يمكن للآباء والأمهات أن يستفيدوا منها، فعندما يكون أحد الآباء أحادي اللغة، والآخر ثنائي اللغة يمكنهم استخدامها، ولكن يجب عند تطبيق هذه الاستراتيجية (شخص واحد = لغة واحدة)، بأن يوازن الآباء بين الوقت الذي يقضيه الأب مع ابنه، فيقضي الأب مع ابنه نفس مقدار الوقت التي تقضيه الأم مع الابن، ويجب توفير نفس مقدار الجودة والكمية من اللغة المسموعة له من قبل الوالدان. نعم هذا من الأشياء التي من الصعب تحقيقها، ولذلك لا ننصح به دائمًا.
فهنالك طريقةٌ أفضل ليصبح الأبناء ثنائيي اللغة، وهي أن يستخدم الوالدان اللغتين معًا أثناء حديثهم مع ابنهم (بحيث لا يتم خلط اللغتان في جملة واحدة)، ويجب أن يكون الوالدان بمستوى اتقان جيد للغتين معًا. فالأطفال يملكون من الذكاء ما يمكنهم من التمييز في حال تحدث الأب / الأم اللغة الرئيسية أو اللغة الثانية، فلا يجب القلق عليهم في هذه الحالة. ولكن لضمان تعرض الأبناء لنفس المقدار من اللغتين، ولموازنةٍ أكثر بينهما، بالإمكان تقسيم اللغتين بتخصيص أيام الأسبوع، فيتحدث الوالدان مع ابنهم في كل يوم بلغة، فيومٌ للغة الرئيسية ويومٌ للغة الثانية، حتى لو كسر الأبناء هذه القاعدة، يجب على الآباء المحافظة عليها حتى يتقنها الأبناء، ويحتفظوا بها. (استخدمها حتى لا تفقدها)
حسين النشيط
أخصائي سمع ونطق