إشراقة "برايل" تنير العالم

بدايةُ عامٍ جديد أقبلَ وهو يحمل بين ذراعيه مولودًا يراه العالم لأول مرة، قد وُلد في لحظة اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدّة القرار ١٦١/٧٣ في نوفمبر ٢٠١٨م؛ حيث تم تخصيص الرابع من يناير من كل عام للاحتفاء باليوم العالمي للغة برايل.

احتفل العالم لأول مرة خلال الشهر الجاري باليوم العالمي للغة برايل، والذي صادف يوم الجمعة الموافق ٤ يناير ٢٠١٩م، وقد تمّ اختيار هذا التاريخ بالذات؛ لأنه يوافق تاريخ ميلاد "لويس برايل" في العام ١٨٠٩م، وهو مخترع لغة برايل التي سميت باسمه.

وُلد "لويس برايل" في باريس، وقد أُصيبت إحدى عينيه بآلة حادة عندما كان مع والده في مصنع الجلود، وهو في الثالثة من عمره، ورغم محاولات الأطباء لإرجاع بصره، إلا أنّهم لم ينجحوا في ذلك. ولم يحدث هذا فحسب، بل بعد سنتين من هذه الحادثة، فقد "برايل" بصره في عينه الثانية بعدما أُصيب بالرمد، إلا أنّ ذلك لم يُثنيه، فلم يستسلم أو يتوّقف.

استفاد "برايل" من شيفرة كان يُطلق عليها "الكتابة الليلية" ابتكرها أحد ضباط الجيش الفرنسي، ليستطيع الجنود التخاطب فيما بينهم دون الحاجة للكلام، أو استخدام الضوء لمشاهدة نصّها؛ فقد كانت عبارة عن نقاط بارزة على ورق سميك، لكل شكل من النقاط دلالة كلامية. عانى "لويس" من صعوبة في فهم تلك الشفرة، فقام بتخفيض العدد الأقصى للنقاط من ١٢ إلى ٦ نقاط كحد أقصى، ومرّ اختراعه بعدة مراحل وتم إجراء العديد من التعديلات عليه، ولم ينشر أو يستخدم بشكل رسمي إلا بعد وفاته.

وكانت لغة "برايل" بمثابة النور الذي أضاء حياة المكفوفين، وأعطاهم فرصة التواصل مع الآخرين والمجتمع، وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية فإنّ ما يقارب ١.٣ مليار شخص على مستوى العالم يعيشون بشكل من أشكال إعاقة البصر بما في ذلك ضعف النظر. كل هؤلاء يحتاجون أن نمّد لهم يد العون لننقلهم لفُسحةٍ من نور.

وفي مملكة البحرين، بدأ دمج المكفوفين في المرحلة الثانوية منذ العام ١٩٨٢م، وفي السنوات المنصرمة أولت وزارة التربية والتعليم اهتمامًا وفيرًا بفئة المكفوفين، وتم دمجهم بالمدارس مع أقرانهم العاديين دمجًا كليًا بجميع المراحل التعليمية منذ العام الدراسي ٢٠١٢-٢٠١٣م، مع توفير معلمين متخصصين، وتهيئة البيئات المدرسية، وتزويدها بلوحات وكتب بلغة برايل وأجهزة ناطقة، ناهيك عن تدريب المعلمين على الكتابة والقراءة بطريقة برايل. كما تم تدشين مطبعة "برايلو ٦٥٠" في يناير ٢٠١٧م، وهي المطبعة المتخصصة الأولى من نوعها على الصعيد العالمي، والتي تخدم جميع المكفوفين، وتسهل توفير احتياجاتهم.

ولعّل نور برايل أبى الأفول مُذ أشعله "لويس"، بل ازداد ألقه عبر السنوات، واستنار بقناديله العديد من المكفوفين وذويهم، إلى أن أشرق بجسارة ليشمل كل العالم مع إطلالة هذا العام ٢٠١٩م.

 

ريحانة حبيل

اختصاصية صعوبات تعلم