ربطتها علاقة شغف ومعرفة لم يكن فارق الحجم عائقاً أمامها للوصول لما تحبه. العلاقة تطورت من مقاعد الدراسة الجامعية الأولية إلى الدراسات العليا التي تتمنى ختمها بشهادة دكتوراه تسجل فيه فتحاً طبياً جديداً.
الباحثة الأحيائية أشواق العريبي أدركت علاقة الإنسان بالكائنات المجهرية وتعرفت على عظمة الخالق في عملية التعايش التي ينتفع فيها الكائنات من بعضها في عملية مستمرة يدفع فيها
الكائنات بعضها بعضاً.
الإدراك وسع فهمها للبكتيريا ومنافعها للإنسان، واختارت في دراستها للماجستير موضوع بدأ يؤرق الأطباء والعاملين في الحقل الطبي وهو المضادات الحيوية وطرق استخدامها فقد بدأت تفقد
الكثير من مفعولها في مقابل تنمر الجراثيم والبكتيريا في وجه أمصالها. ووجدت في نوع من البكيتريا بديلاً أحيائياً مناسباً عن المضادات الحيوية.
وتستعرض العريبي لمجلة دراسة نتائج دراستها في الصفحات التالية:
الموضوع المناسب
واجهت أشواق العريبي في بداية مشوارها لرسالة الماجستير في جامعة لوند بالسويد، سؤالاً كبيراً في أبعاده قصير في لفظه وكتابته، وهو ما هو أجدر موضوع ليكون عنواناً لدراستي؟
العريبي تدرك بشكل واضح أن المضادّات الحيويّة التي أنقذت حياة عدد لا يحصى من الناس لمدة تزيد على ال 60 عاماً، قد فقدت بريقها هذه الأيام! فلم يعد تأثيرها على الميكروبات كما كان، إذ فعلنا – نحن- هذا بأنفسنا نتيجة الاستخدام السيء والمفرط للمضادات الحيوية.
فلو أن مريضاً أخطأ أو أهمل في أخذ وصفته الدوائية المكونة من مضاد حيوي ليثبط نمو البكتيريا المُمرضة فإن ذلك يمنح البكتيريا الناجية فرصة للبقاء والتطور لتصبح أكثر مقاومة للمضادات الحيوية وبالتالي أصعب علاجاً. الأمر الذي أفقد المضادات الحيوية فاعليتها واحدة تلو الأخرى مما يشكل أحد أهم المخاطر والتهديدات الصحية في وقتنا الحاضر.
كُلف اقتصادية أيضاً
أظهر تقرير صدر في العام 2013 وأعده مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC( ( تحت عنوان «مخاطر مقاومة المضاد الحيوي في الولايات المتحدة الأميركية » أن حاولي مليوني إنسان في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يصاب بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية وإن 23 ألف منهم يموت كنتيجة مباشرة لهذه الإصابات بسبب المقاومة التي تحدثها الميكروبات تجاه عقاقير المضادات الحيوية.
وفي إزاء ذلك هناك كلفة اقتصادية موازية للكلفة البشرية قدرها تقرير الدخل السنوي لسوق المضادات الحيوية لعام 2009 بحوالي 42 مليون دولار أمريكي بمعدل نمو سنوي يقدر ب 4 % والذي من المرجح أن يصل ل 60 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2015 . إذ أن أغلب حالات الإصابة تتطلب علاجاً مطولاً ومكلفاً، كتمديد فترة البقاء في المشفى وتكثيف زيارات الطبيب الإضافية الضرورية إضافة إلى اتباع برامج للرعاية الصحية بشكل مستمر.
ال «هالودوراسين » بديل مرشح
المقدمات أعلاه قادت الباحثة الأحيائية أشواق العريبي إلى ضرورة إيجاد حل واعد لهذه المشكلة التي بدأت تغزو العالم وتفقده السيطرة على معالجة الأمراض. ولعل أحد أهم الحلول المحتملة والواعدة قد يتضمن البحث عن بدائل حيوية لتحل هذه الأخيرة محل المضادات التي فقدت قدرتها في تثبيط نمو الميكروبات بسبب مقاومتها لها.
ولذا فإن هذا البحث يتعلق بدراسة أفضل طرق إنتاج بديل حيوي يسمى «الهالودوراسين - »Haloduracin والذي تنتجه بكتيريا Bacillus halodurans القلوية ) PH<8 ( كناتج ثانوي لعمليات الأيض داخلها يمكن الاستفادة منه كبديل مرشح لم تنشأ البكتيريا مقاومة ضده بعد، وبهذا يمكن التحكّم بمشكلة النمو المطرّد لمقاومة المضادات الحيوية بتصنيع بدائل جديدة.
وتوضح العريبي أن «الهالودوراسين - »Haloduracin والذي ينتمي لمجموعة المبيدات الجرثومية ) Bacteriocins ( قادر على تثبيط نمو البكتيريا الممرضة وليس قتلها.
ويعد مركب الهالودورسين خياراً بديلاً للمضادات الحيوية لعدة أسباب، أهمها:
• مستقر كيميائياً عند درجات PH أعلى من 8.
• يفقد فاعليته عند درجة حرارة الغليان) 100 س°(. وبهذا يمكن التخلص منه فيما لو استخدم كمادة حافظة للطعام فقط بالغليان.
• ينتج من بكتيريا تعيش بوفرة في الأوساط القلوية.
إنتاج ال «هالودوراسين »
النتائج جاءت بعد اختبارات أخذت 3 سنوات متواصلة من التجارب، وتقول: «عملتُ بشكل جاهد على خلق بيئة مناسبة لإنتاج ال «هالودوراسين » وبكميات كبيرة، وهي خطوة أولية قبل اخضاعه لتجارب أخرى. واستغرق ذلك وقت لا يستهان به تسبب في توقف البحث في مرحلة كنت أطمح في تجاوزها .»
وأضافت: «وبعد أن تمكنت من التوصل لإنشاء بيئة مثالية لاستخلاص ال «هالودوراسين » وبكميات كبيرة انتقلتُ إلى المرحلة الثانية من البحث .»
المرحلة الثانية أخذت بُعد آخر فأخذت الباحثة العريبي تدرس خصائص ال «هالودوراسين » كتأثيره على أنواع من بكتيريا موجبة وسالبة الجرام، ومدى استقراره تحت درجات حرارة مختلفة وكذلك مدى تأثير مجموعة من الأملاح المعروفة على نشاط وفاعلية المستخلص في تثبيط نمو البكتيريا المختبرة.
كشفت الدراسة أن أفضل طريقة لإنشاء بيئة مناسبة لإنتاج ال «هالودوراسين » هي بتقييد البكتيريا المنتجة بالآغار والتي اثبتت نجاحها في انتاجه بكميات كافية.وكشفت الدراسة أيضا أن ال «هالودوراسين » فعال جداً في ما استخدم مع أملاح ) .)NiCl 2
وتتمنى العريبي أن تحظى بفرصة لإكمال ما بدأته وتجربته على خلايا الدم الحمراء، والتحقق من كونه بديل إحيائي مناسب عن المضادات الحيوية، وتسجيل فتح طبي جديد يساهم في التخفيف من معاناة البشرية، والتقليل من الوفيات الناجمة عن المضادات الحيوية.