قابلون للكسر! ... ريحانة حبيل

من المؤكد أنّكم سمعتم بهشاشة العظام، هشاشة الزجاج، وهشاشة الثلج. لكن هل سمعتم بالهشاشة النفسية؟!

يُمكننا توضيح مصطلح الهشاشة النفسية بوصفه شكل من أشكال الاضطراب النفسي يكون فيه الشخص غير قادر على التكيف أو مواجهة بعض المواقف والأحداث إلا بوجود شخص أو جهة تدعمه للصمود أمام هذه الأحداث، أو هو حالة من التوتر والقلق الدائم تجعل من الفرد متكسرًا، ضعيفًا، ومفتتًا من الداخل. رغم كون المواقف طبيعية، إلا أنّ المصابين بالهشاشة النفسية ينظرون للأمور ونِتاجاتها بحجم أكبر مما هي عليه في الواقع.

سأتحدث في هذا المقال بشكل مختصر عن هذا الموضوع استنادًا إلى ما قرأته في كتاب الدكتور إسماعيل عرفة الذي يحمل عنوان "الهشاشة النفسية.. لماذا أصبحنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟"

ظهر مصطلح الهشاشة النفسية لأول مرة في العالم العربي بعد العام 2017م، وذلك يعود للتطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة أعداد مستخدميها، وأنه في الأعوام التي تسبق هذا العام كان العالم العربي يضّج بالقضايا المهمة الأخرى التي خطفت أنظار واهتمام الجميع، ولم يكن هناك من يلاحظ هذه الظاهرة وإن كانت موجودة.

ويتمثل السبب الرئيسي لهذا الاضطراب في أساليب التنشئة الخاطئة في الأسرة، حيث يتبع بعض الآباء طرقًا في التربية تقوم على التدليل المفرط، بحيث لا توكل للطفل أي مسؤوليات منذ صغره إلى أن يكبر، مع الحماية الزائدة له. فكأنه في برجٍ عاجي تُلبى جميع رغباته، وتُنجز أعماله دون أن يحرك ساكنًا. فيتعزز بداخله الشعور بالتفرد والاستحقاق وبأنه ذو قيمة في أعين الآخرين. وما إن يبدأ في الانخراط بالحياة، والتعامل مع آخرين خارج نطاق أسرته، فإنه يُصدم بالواقع والعالم الخارجي، فيعتبر كل شيء صدمة، وإن كان موقفًا بسيطًا، ويضخم الألم الناتج عن تجربة حزينة يمر بها، وكأنها نهاية العالم، وكأنه لن يستطيع النهوض أو الوقوف مجددًا.

وقد لوحظ أن هذا الاضطراب يظهر لدى الأشخاص الذين ينتمون للطبقات الوسطى فما فوق، ولا يظهر لدى أبناء الطبقة الدنيا (الكادحة) لأنّ في الأخيرة يتولى الأشخاص المسؤوليات منذ الصغر، ويتربون على مواجهة الحياة وما تحمله من مشكلات وعثرات.

كما تظهر الهشاشة النفسية لدى جيل المراهقين والشباب، الذي أُطلق عليه جيل "زي" أو جيل رقائق الثلج لأنه كالثلج هش ويتكسر عند أقل ضغط، إلى جانب أنّ هناك نظرية علمية سائدة تنصّ على أنه لا توجد رقيقتين من الثلج متشابهتين، فرقائق الثلج متفردة، كالشعور الذي يشعر به أبناء هذا الجيل بالتفرد والاستحقاق.

وهناك سمات عديدة للأشخاص الذي يعانون من الهشاشة النفسية، أبرزها: الهروب من المشكلات التي يواجهونها لأنهم أساسًا لم يتعلموا كيفية مواجهة المشكلات وحلها، ويكبرون في العمر ولكنهم يظلون صغارًا وهذا ما يسمى بمتلازمة بيتر بان، حيث أن الطفل لا يتولى أي مسؤوليات وعندما يكبر يصير رجلًا بداخله طفل. ناهيك عن أنهم يعبرون عن ألمهم وحزنهم بصورة مبالغ فيها، كما أنّ لديهم هوسًا بالطب النفسي، لأنهم اعتادوا على الآخرين ليحققوا أهدافهم ويحلوا مشكلاتهم، لذلك فإنهم يهرعون للطبيب النفسي ليساعدهم في كل شيء يواجهونه. هم ببساطة، غير معتادين على التعامل مع أي شخص أو حل أي مشكلة.

خلاصة القول، لابد أن نعلم أطفالنا منذ نعومة أناملهم أنّ للحياة وجهين،أحدهما إيجابي والآخر سلبي، وأن نعدّهم لمجابهة أي صعوبات قد تعترضهم، وأنّ المشكلات هي أمور طبيعية ومؤقتة، وما يصاحبها من ألم وحزن لا يستمر للأبد بل أنه ينقشع بحل وزوال المشكلة.

 

 

ريحانة حبيل

قيادية تربوية