ما معنى أن تتعايش مع الألم وتصبر دونَ أمل بالشفاء القريب.. أن تعلم أن لا نهاية لألمك مهما حييت، بكل بساطة أحبتي القُراء "فقر الدم المنجلي".
بدايةً، الثلاسيميا هو اضطراب دم وراثي يؤدي إلى انخفاض نسبة الهيموجلوبين في الجسم عن المُعدل الطبيعي، حيثُ أن الهيموجلوبين يُمكن خلايا الدم من حمل الأوكسجين، وبالتالي تُسبب الثلاسيميا فقر الدم، مما يجعل المصاب يشعر بالإرهاق الدائم.
لم اكتشف إصابتي بحمل جين الثلاسيميا إلا بعد ولادتي بابني في عام 2015 م ، أصبت حينها بنزيف حاد جداً بعد الولادة أدى إلى هبوط مُرعب في نسبة الدم إلى 6، مما اضطر إلى إقامتي بالمشفى لمدة أسبوع بسبب عملية نقل الدم.
ومنذ ذلكَ الوقت إلى الآن كنتُ ولازلتُ أشعر دائماً بالتعب والإرهاق الجسدي والنفسي يصاحبه هبوط في ضغط الدم وأحياناً فقدان الوعي واختلال بالتوازن، إلى جانب آلام قوية جداً في المفاصل، الضعف وشحوب الجلد واصفراره.
وكنتُ دائماً أقول لنفسي حين أراجع المركز الصحي بكثرة تفوق 3 مرات بالشهر لأخذ المغذي والمسكن، لربما كل هذا بسبب هبوط الضغط أو فقر الدم المنجلي الذي أعاني منهُ حيثُ أنني أعلم فقط أنني حاملة لجين هذا المرض.
6 سنوات وأنا أقاسي الأوجاع بخفاء شديد عن الجميع وأمارس عملي بكل إخلاص رغم قسوة الألم، إلى أن لجأتُ إلى أحد الأطباء في مجمع السلمانية الطبي وأخبرته بكل ما أشعر بهِ من أعراض فقام بعمل كل الفحوصات التي تتعلق بالجينات الوراثية بالدم.
في ليلة السابع من يناير في العام 2022 م، قامَ بالإتصال بي ليلاً! وطلب مني الحضور فوراً إلى إلى المُستشفى.. وأثناء قيادتي السيارة كان شعوراً غريباً يعتيريني من نبرات صوت الطبيب التي كانت تتردد على مسمعي أن نتائج الدم ليست على ما يُرام.
إلى أن أتيت وأخبرني:" يُؤسفني جداً أن أخبركِ بأنكِ حاملة لجين البيتا ثلاسيميا وحاملة لجين فقر الدم المنجلي (السكلر) وهذهِ الحالة تُسمى بالـ Sickle thal أو الخِلة المنجلية، لهذا السبب يتم في كل مرة تحويلكِ إلى طوارئ السلمانية بسبب هبوط نسبة الدم أحياناً إلى 9 ونسبة الحديد إلى 5" .
لا أستطيع! ولا يُمكنني أن أصف شعوري آنذاك! غير الرحمة الإلهية التي تضمد القلب وتصمده، والتسليم لقضاء الله وقدره وأن كل ذلك خيرٌ لي بكل تأكيد، وأنني سأكون قادرة على تحمل الأوجاع وقسوتها استناداً لقول الله تعالى (لا يكلفُ الله نفساً إلا وسعها) ذلكَ يعني أن الله يعلم بمدى صبري وأنني قادرة على مواجهة هذا المرض الذي قمتُ بدايةً بإخفاء حقيقته عن الجميع عدا ( والدي / والدتي / صديقاتي / الأطباء) فكانوا يشاركونني كل لحظات الألم التي كانت تكبتُ على أنفاسي من قوتها.
السرير الأبيض.. قطرات الدم.. المُغذي.. المُسكنات.. حُقن الألم.. نقل الحديد أسبوعياً عن طريق الدم لجسدي.. الدموع و صرخات الألم المكبوتة وتلكَ الصور التي ألتقطها مع كل نوبة، مشاهد تتكرر أمامي دائماً وكنتُ أخشى أن أبوح بها أمام الجميع.
ولكن! مهلاً يا زهراء! قفي هُنيئة! أنا معالجة لاضطرابات التوحد والأمراض العصبية التي لا شفاء منها أيضاً، وأدعو دائماً في مقالاتي بمجلة الطبي إلى عدم الخجل وتوعية المُجتمع عن اضطراب التوحُد! إذن، لماذا أخفي أنني مُحاربة للثلاسيميا وفقر الدم!
لذا، قمتُ بجمع كل الآم المُبعثرة بين أروقة مجمع السلمانية الطبي وصنعتُ منها حُروفاً جميلة لهذا المقال، فعندما يعتريني ألم النوبة يُخلق مع كل خلية منجلية ابتسامة كشكلها تماماً وأمل جديد رغم أنها حادة وتؤلمني كثيراً.
ورغم اختلافها عن كريات الدم الطبيعية إلا أنها لا تكسر بي شيئاً بل هي قادرة على أن تعيش وتكافح في الحياة .
فقر الدم (الأنيميا) مرضي، والتوحد مجال عملي وكلاهما يخلقُ في نفسي إصرارًا كبيرًا جداً على تحدي الألم ليكون جميلاً، ويجعلني مُحاربة لفقر الدم ومُعالجة لاضطراب التوحُد.
زهراء داوود
أخصائية تعديل سلوك