من الملاحظ تأرجح كفتي الميزان في طبيعة الاستجابة للدواء بين البالغين وبين فئة الأطفال والرضع، كما يصعب إطلاق مسمى (البالغين الصغار) على فئة الأطفال في حساب جرعة أو مشاهدة تأثير دواء معين بشكل سلبي على هذه الفئة؛ فعلم الحرائك الدوائي يدرس الامتصاص ( الذي تناولته في المقال السابق ) بالإضافة إلى التوزيع والاستقلاب والطرح.
ونتناولهم بشيء من الإيضاح في الأسطر التالية:
*التوزيع:
يتأثر التوزيع بمجموعة عوامل تتغير بمرور الوقت ومع التقدم بالعمر تجعلنا ندرك بلا شك أن الفئات العمرية هذه تعكس اختلافًا واضحًا بالنسبة للاستجابة للدواء ولاختيار خصائصه والعديد فيما يتعلق به وبصفاته المعطاة.
من هذه العوامل المؤثرة:
- الحجم الكلي للمياه في الجسم
- تركيز بروتينات بلازما الدم
- حجم الأعضاء والنفاذية
- استقرار الدورة الدموية
- التوازن الحمضي القاعدي
أولًا: الحجم الكلي للمياه في الجسم:
يقل مع التقدم بالعمر، إذ يشكل عند حديثي الولادة ما نسبته 80 %من الوزن ويقل ليصل إلى 60 %عند بلوغ العام الأول وهو ما يكافئ النسبة عند البالغين أيضًا.
كيف يؤثر هذا العامل على خصائص الدواء المطلوبة؟
ولشرح الأمر فلنعطي دواء (الجنتاميسين) كمثال، إذ يعد مركبًا له ذائبية عالية في الماء وبالتالي حجم التوزع له عند حديثي الولادة أعلى من حجم التوزع عند الأطفال الأكبر سنًا، وكنتيجة لذلك فإنه يتطلب إعطاء ملغم أعلى لكل كغم للوصول إلى التركيز العلاجي المطلوب عندها.
والعكس صحيح للدهون الكلية في الجسم التي تزداد مع التقدم في العمر، وبالتالي فان الأدوية التي تعتبر محبة للدهون -مثل الديازيبام - فإن لها حجم توزع أقل عند الرضع بالمقارنة بالأطفال الأكبر سنًا والبالغين.
ثانيًا: الارتباط ببروتينات الدم:
ترتبط الأدوية الحمضية بالألبيومين في حين أن الأدوية القاعدية ترتبط بنوع من الجلايكوبروتين، الكمية الكلية من هذه البروتينات في البلازما تكون أقل عند حديثي الولادة والرضع مما هي عند البالغين، وبالتالي فإن الجزء الحر غير المرتبط يكون أعلى فينشأ عنه تأثيرًا معززًا عند الجرعة ذاتها.
**الأيض أو الاستقلاب:
تشهد مراحل الاستقلاب بجزئيها تغيرًا ملحوظًا مع العمر والنضوج.
كيف يبدو ذلك؟
يظهر من خلال أحد الإنزيمات مثل (CYP1A2) - على سبيل الذكر وليس الحصر - من المرحلة الأولى الذي كان موضوعًا للعديد من الدراسات أن هذا الإنزيم غير موجود في خلايا الكبد للجنين، ويبدأ نشاطه ضعيفًا عند حديثي الولادة، ينعكس هذا الأمر على جرعات بعض الأدوية مثل الكافيين الذي يستخدم في بعض الأوقات في حالات انقطاع النفس الانسدادي أو في حالات أمراض الرئة المزمن عند الرضع، ويتطلب عندها التعديل على هذه الجرعات بشكل دوري فيما يضمن الحفاظ على نفس الفعالية المطلوبة.
ومثال آخر على ذلك Alcohol dehydrogenase وهو احدى إنزيمات المرحلة الأولى أيضًا ويظهر اختلافا في كفائته مع التقدم بالعمر كذلك.
**الطرح:
تتصف الوحدات الكلوية عند الولادة بسعةٍ أقل، كذلك فإن معدل الترشيح الكبيبي يصل إلى ما يكافئ قيمته عند البالغين بحلول الشهر الثامن إلى العام الأول من العمر، في حين أن الافراز الأنبوبي ينضج عند العام الأول.
هذه الوظائف للكلى المفتقرة للنضوج الكامل ينشأ عنها تغيرات واضحة في عمليات الطرح والإزالة للأدوية، ولتفادي هذا الأمر يتطلب إطالة الفترات بين الجرعات المُعطاة.
وفيما سبق ، فانه يُظهر جزءا بسيطًا مما قد يُذكر حول العوامل والمؤثرات التي تحيط باختيار خصائص الدواء المطلوبة لفئة محددة وهي الأطفال والرضع، وتشير إلى مدى أهمية إعطاء هذه الفئة حقها في صرف الدواء بدقة وبأمانة.
دعاء ناصر بشناق
صيدلانية