بينما نجوبُ العالم، فإنّ ما نراه يتكامل مع ذاكرتنا للبيئة المكانية. فكيف يقوم الدّماغ بهذا العمل؟
نقلًا عن مقال منشور في موقع "الأخبار الطبية وعلوم الحياة"، كشفت دراسة حديثة عن وجود ثلاث مناطق في الدّماغ تُشكل رابطًا بين نظام الإدراك الحسي والذاكرة، وتسمى هذه المناطق: مناطق ذاكرة المكان.
عندما ننتقل في مُحيطنا، تدخل المعلومات إلى القشرة البصرية، وينتهي بها الأمر بطريقة ما لمعرفة مكان تواجدنا. السؤال هُنا: أين تتم هذه المعرفة المكانية؟!
تتم المعرفة المكانية في مناطق ذاكرة المكان بالدّماغ، فعندما ننظر لمناطق الدّماغ التي تعالج المشاهد المرئية، والمناطق المسؤولة عن الذّكريات المكانية، فإننا نجد أنّ مناطق ذاكرة المكان تُشكّل جسرًا يربط بين هذين النظامين. ويتم إقران كل منطقة من مناطق الدّماغ المُشاركة في المعالجة البصرية بنظيرتها من ذاكرة المكان.
وفي الدراسة التي أجرتها كلية "دارتموث" تم اتباع منهجية مبتكرة، حيث طُلب من المشاركين إدراك واسترجاع الأماكن التي ذهبوا إليها في العالم أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، فنتجت خرائط عالية الدقة وموضوعية لنشاط الدّماغ.
في إحدى التجارب قدّم ١٤ مشاركًا قائمة بالأشخاص الذين يعرفونهم شخصيًا، والأماكن التي زاروها في حياتهم الواقعية (على سبيل المثال: منزل طفولتهم، والديهم). بعدها، وأثناء تصويرهم بجهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي، تخيّل المشاركون بأنهم يرون هؤلاء الأشخاص، أو يزورون تلك الأماكن. كشفت مقارنة نشاط الدماغ بين الأشخاص والأماكن عن وجود مناطق ذاكرة المكان. والأهم من ذلك، عندما قارن الباحثون هذه المناطق التي تمّ تحديدها حديثًا بتلك المناطق من الدّماغ المسؤولة عن معالجة المشاهد المرئية، وجدوا أنّ المناطق الجديدة متداخلة لكنها مميزة.
وكانت هذه النتائج مُفاجِئة، حيث أنه من المتوقع أنّ مناطق الدّماغ التي تُدرك، يجب أن تكون نفسها التي تعمل عند استرجاع الذّاكرة.
وفي تجربة أخرى، تم التحقيق فيما إذا كانت مناطق ذاكرة المكان لها دور في تعرُّف الأماكن المألوفة. فأثناء فحص التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، تم عرض صور متحركة لمواقع في العالم الحقيقي مألوفة وغير مألوفة. لاحظ الباحثون النشاط العصبي للدّماغ، ووجدوا أنّ مناطق ذاكرة المكان تكون أكثر نشاطًا عند عرض صور الأماكن المألوفة، بالمقابل فإنّها لم تُظهر ذات النشاط عند عرض صور الأماكن غير المألوفة، مما قاد لنتيجة مفادها أنّ مناطق ذاكرة المكان تلعب دورًا مهمًا في تعرُّف المواقع المألوفة.
ويقوم فريق البحث حاليًا باستخدام تقنية الواقع الافتراضي لاستكشاف كيفية تطوُّر التمثيلات في مناطق ذاكرة المكان، بحيث يصبح البشر أكثر دراية بالبيئات الجديدة.
لا زالت الدراسات تكشف عن مناطق جديدة في الدماغ، كل منها له دور مختلف. فكما طرحنا في مقال سابق أنه تم اكتشاف منطقة مسؤولة عن تعلم القراءة، حتمًا سيأتي العلم بنتائج جديدة مستقبلًا.
ريحانة حبيل
اختصاصية صعوبات تعلم