يمر أطفال التوحد بالكثير من الاضطرابات الحسية، والتي قد تتسبب في ظهور سلوكيات غريبة من ضمنها التوقف عن الأكل والإصابة بالهزال أو الانتقائية في
الأكل كتحديد لون معين من الوجبات والابتعاد عن غيرها، وذلك قد يعود إلى روائح بعض الأطعمة أو الأماكن التي تناولها فيها أو حتى طريقة إطعام والديه
بالإجبار والقسوة، وليس ذلك فقط بل قد يمتد للبعد نهائيًا عن الأكل وتناول أشياء غير مرغوبة كالرمل والأسفنج، مما يعزى ذلك لنقص فيتامينات معينة
في الجسم وتسمى حالة اضطراب (بيكا).
إن حالة التوقف التام عن الأكل بداية الطريق للهاوية، وفقدان النشاط والمناعة فقد يعزي السبب لمشاكل في الجهاز الهضمي ناتجة عن اضطرابات في
التمثيل الغذائي مما يتسبب في الآلام أو حتى مشاكل في الفم والأسنان مما يترتيب عليه الهروب من الأكل وعدم تقبله.
إذا لابد من البدء في علاجها وعدم تأجيلها، والبحث عن السبب سواء في نوعية الأطعمة أو حالة الطفل الصحية، فيبدأ الأخصائي المعالج في مساندة
الأم بداية في تعديل السلوك بحيث يسحب الأكلات غير المرغوبة وتعويضها بالأكل المفيد ورغم رفض الطفل عدة مرات وبقاءه لفترة دون وجبة سيضطر
إلى الأكل، وقد يتطور الأمر فيحتاج لعلاج طبي والمبيت في المستشفى.
وفي هذا الصدد دعني أخبركم قصة ابني محمد، لقد كان طفلي طبيعيًا حتى بلوغه العام والنصف، حتى توقف عن تناول الأكل الطبيعي وبدا وجهه
شاحبًا، فأصبح يأكل أحيانًا قطع الأسفنج وقصاصات الأوراق.
لم يكن ذلك طبيعيًا البتة، ولم يكن رأي الطبيب مقنعًا، فلن أسمح لمشارط ان تخط مسارها على جسد ابني النحيل، فبعد تمزيق تلك الأوراق عند باب
العيادة والتي كان مفادها المبيت في المستشفى حتى أجل مسمى، والتغذية عن طريق الأنبوب في فتحة الأنف أو شق جزء في زاوية البطن وادخال
ذلك الأنبوب، إذا افترضنا قبول ذلك والبدء في التغذية عن تلك الطريقة متغافلين عن سلبياتها، والتي قد تسبب التسمم أو التلوث أو انتكاس الحالة، وعدم تقبل أي نوع من الغذاء ناهيك عن العبث بتلك الأنابيب واتلافها وتكرار وضعها، حتى إذا افترضنا أنه تعود على نكهة بعض الأطعمة ماالذي يضمن تقبله للباقي أو عدم انتكاسته، ورفضه لكل شي كالسابق؟
إن تلك الرحلة ليست معبدة الطرق فبدايتها صبر وبكاء، ورفض كل ذلك السيناريو، فإذا افترضنا أن الأكل في الأنبوب سائل فماذا يمكنه أن يقف أمام طهو طعام وطحنه في معدة الطعام وجعل قوامه لين ومن ثم إطعامه عن طريق القطارة،،،
فعلًا لم يكن ذلك، القيام بالتجربة عدة مرات يتلوها التقيء مباشرة، ولكن ذلك لم يقف عثرة، استمر النضال حتى تجاوزنا المرحلة بداية بالطعام اللين، ثم الأكل العادي والذي استوقفنا مدة حيث كان يحتجزه بين أسنانه وينام وهو داخل فمه حتى صباح اليوم التالي.
لم يكن جهد والدين فقط بل، بالتعاون مع الأخصائي المسؤول تجاوزنا المرحلة بعد فترة ولم يكن ذلك إلا فصلًا من فصول حكايات التوحد التي لا تنتهي.
زينب جاسم