يعد القلق من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا والأعظم تأثيرًا في الأنشطة المختلفة حيث يؤثر في العلاقات الاجتماعية والأداء الأكاديمي والمهني، وليس هذا فحسب بل يتعدى تأثيره ليشمل الاقتصاد أيضًا، ففي دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية بهدف تقدير تكلفة الاكتئاب والقلق وجدت أن التكلفة السنوية لهما فقط من دون غيرهما من الاضطرابات النفسية 1 تريليون دولار سنويًا.
وقد يتبادر إلى الذهن أن الكبار أو الراشدين وحدهم من يعانون من القلق، وهذا كلام عارٍ من الصحة، ففي دراسة حديثة (2019) أجراها مجموعة من الباحثين في المملكة العربية السعودية خلصت إلى أن معدل القلق كان مرتفعًا بين الأطفال في عمر المرحلة الابتدائية.
درس العلماء أسباب القلق عند الأطفال وأسهبوا في البحث فيها، وجمعوها في ثلاثة عوامل وهي الوراثة وأسلوب التنشئة إضافة للعوامل العصبية، وأعطوا قدرًا للأفكار والسلوكيات التي تقف وراء القلق وتعزز بقاءه وديمومته.
تلعب كل أشكال التنشئة الوالدية بأنواعها المختلفة دورًا في التهيئة للقلق وخلق بيئة خصبة له فالحماية الزائدة على سبيل المثال وإن بدت مشرقة إلا أنها عكس ذلك حيث وجد أنها تسهم في بناء القلق وتأصيل معتقد الخطر وانعدام الأمان عند الطفل وهذا المعتقد من دون أدنى شك يبحث عما يغذيه ويدعمه في البيئة الخارجية.
وليس هذا فحسب بل يذكر العلماء أشكالًا أخرى للتنشئة توجه لها أصابع الاتهام أيضًا في علاقتها بالقلق ومنها الإهمال والإساءة والاستغلال والقسوة والعقاب.
علاوة على ذلك يلفت العلماء النظر لأربعة مصادر من القصور المعرفي يرتبط ظهورها باضطرابات القلق عند الأطفال وهي أفكاره عن نفسه والعالم، التشويهات المعرفية، نقص المعلومات والخبرة والقدرة على حل المشكلات، وانتهاءًا بالتوقعات السلبية.
وهنا لابد من وقفة لإزالة اللبس والتمييز بين القلق الطبيعي (الإيجابي) والقلق المرضي (السلبي) عند الطفل والتي تعرف من خلال درجة القلق وشدته ومدى تأثيره على الأداء الاجتماعي والمدرسي بالإضافة لملاحظة عدد مرات تكرار السلوك واستمراره مما ينعكس بشكل سلبي على استمتاعه وجودة حياته.
وبشكل أعمق يواجه الطفل القلِق صعوبات في الانفصال عن الوالدين بالإضافة لمشكلات في النوم سواء برغبته بالنوم مع الآخرين أو الاستيقاظ بعد نوم قليل مع وجود أحلام مزعجة، كما قد يظهر القلق من خلال رفض الطفل الذهاب للمدرسة أو مشاركة أقرانه فيها، وقد نلاحظ سلوكيات أخرى كالتبول اللإرادي وعدم الاستقرار والانشغال الدائم بموضوع الخوف أو القلق.
يألف كل منا القلق ويعيشه ويتعايش معه يوميًا، ويحدث الآخرين عنه، ولا أظن أحدًا لم يذق مرارة القلق ولم يحاول التأقلم معه بوسائل مختلفة، إلا أن الطفل لا يحسن التعبير عنه كما يفعل الكبار، وهذا يلقي بظلاله على الأسرة ليقوموا بدور أكبر تجاه أطفالهم وفهم قلقهم.
حسين محمد علي آل ناصر
أخصائي نفسي إكلينيكي أول
المملكة العربية السعودية