كثر الحديث في الفترة الماضية عن الجهاز المناعي ودوره في محاربة العدوى والبكتيريا والفيروسات التي تحيط بنا وتعيش معنا ومما رفع الوعي بذلك ما نمر به من وباء وإجراءات إحترازية وإجراءات تطلبت العزل في بعض الحالات والتباعد ليكون لنا تصورًا لما يمكن أن يكون عليه الحال فيما لو فقدنا وظيفة الجهاز المناعي ولو جزئيًا وعدم قدرته على التعامل مع العدوى التي تحيط بنا والتي يقف فيها الجهاز المناعي سدًا منيعًا ودرعًا حصينًا لمنع الهجوم المميت لما يحيط بنا أخطار.
طفل يعيش في فقاعة
ديفيد فاتر طفل ولد في عام 1971 في ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية عاش حياته الممتدة لإثني عشر عامًا في فقاعة بلاستيكية معقمة.. معزولًا عن العالم الخارجي نتيجة إصابته بمرض نادر يسمى بمرض العوز المناعي المشترك الشديد SCID وهو مرض مناعي وراثي يصيب الخلايا اللمفاوية من نوع TوB وNK ويسبب خللًا في وظيفتها وأعدادها مما يجعل الطفل عرضة للعدوى الفيروسية والبكتيرية والفطرية ومختلف الإلتهابات مثل التهاب الرئة وسحايا المخ.
كان الأطباء يعتقدون في البداية أن ديفيد سيتغلب على المشكلة بعد عمر السنتين وهو الشيء الذي لم يحدث فظل ديفيد في فقاعته البلاستيكية حتى عمر الست سنوات حينها قامت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا بتصميم بدلة خاصة ليلبسها ديفيد تشبه تلك التي يرتديها رواد الفضاء ليتمكن ديفيد من الخروج من فقاعته التي ظل حبيسها لستة سنوات ليتمكن من اللعب وممارسة بعض الأنشطة التي تساعده على الشعور بجزء من طفولته التي قضاها حبيسًا في فقاعته بالإضافة لتمكن الأم من احتضان إبنها بين ذراعيها لأول مرة بعد ستة أعوام. كان ديفيد يعود لفقاعته بقية اليوم للنوم وللدراسة ليلحق ببقية أقرانه في المدرسة. عندما بلغ ديفيد سن الحادية عشر واحتفالًا بعيد ميلاده كانت أبسط أمانيه مشاهدة النجوم في السماء.. وتلبية لرغبته فقد تم أخذه في فقاعته وبزي عيد الميلاد لمشاهدة السماء لمدة عشرين دقيقة.
كانت محاولات الأطباء وأهل ديفيد لإخراجه من فقاعته تحتاج لقرار جريء. حين تقرر إجراء عملية زراعة نخاع لديفيد للتخلص من فقاعته للأبد. وقع الإختيار على أخت ديفيد لنقل النخاع وتمت العملية ليصاب بعد أربعة أشهر من العملية بسرطان الغدد اللمفاوية - lymphoma -
أكتشف فيما بعد أن سبب ذلك وجود عدوى فيروسية في نخاع أخت ديفيد. بعد وفاة ديفيد تم إنشاء مركزا للأبحاث يختص بالمناعة في مستشفى تكساس للأطفال يحمل اسمه.
نهاية مرض SCID
ديفيد يخرج من فقاعته بعد مرور أربعين عامًا على وفاته!
من رحم المعاناة يولد الأمل وهكذا كانت قصة طفل الفقاعة بداية لرسم الأمل للعديد من الأطفال ممن أصيبوا بهذا المرض النادر وبعد مرور أربعين عامًا يتمكن ديفيد من تمزيق هذا الفقاعة ليحرر بقية الأطفال المصابين بهذا المرض.
ففي دراسة نشرت في مجلة New England Journal of Medicine تمكن فريق من جامعة كاليفورنيا ولوس أنجلوس ومستشفى Great Ormond في لندن من التغلب على مرض العوز المناعي المشترك الشديد SCID وذلك باستخدام الهندسة الوراثية، حيث نجح في علاج خمسين حالة لأطفال مصابين بمرض العوز المناعي المشترك الشديد ثلاثين منهم في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة نجاح 90٪ وعشرين منهم في المملكة المتحدة بنسبة نجاح 100٪
حيث عاد جميع المرضى بعد 36 شهرًا من العلاج لممارسة حياتهم الطبيعية والتوقف عن استخدام العلاجات الخاصة بالمرض مع قدرتهم الذاتية على محاربة الأمراض الإعتيادية ونزلات البرد التي كانت في السابق تعتبر مميتة بالنسبة لهم.
د. إسحاق المبارك
مركز ابن حيان الطبي