لم يكن أي فرد أو قطاع مستعدًا للتفشي المفاجئ والسريع لفيروس كورونا الجديد COVID 19 ومن ضمن القطاعات وأكثرها أهمية القطاع الصحي الذي يعتبر خط الدفاع الأول ضد هذه الجائحة. لم تكن أي دولة مهيأة للارتفاع الحاد في أعداد المصابين المحتاجين للرعاية الطبية مما أدى إلى استنزاف القدرة الاستيعابية للمنشآت الطبية بما فيها من معدات وأدوية وطواقم طبية
ولضمان استمرار تقديم الرعاية الطبية اللازمة للمرضى كان لا بد من دعم لوجستي رفيع المستوى. استعرضُ معكم بعض الحلول اللوجستية التي تم اتخاذها في هذا الشأن.
الطاقة الاستيعابية لشركات النقل والشحن اللوجستية أستنزفت لتلبية الطلب العالمي المتنامي للأدوات الطبية، فكان لا بد من حلول لوجستية بديلة عاجلة لإشباع الطلب المتزايد جعلت طائرات الشحن الجوي في حركة نشطة على مدار الساعة خلال الجائحة، وفي المقابل ازدحمت مدرجات المطارات بطائرات الركاب الفارغة للانخفاض الحاد في عدد المسافرين بسبب قيود السفر الدولية الناتجة عن انتشار الفيروس.
شركات الطيران استثمرت ذلك وحولت طائرات الركاب لخدمات الشحن وشحنت المعدات الطبية على كراسي الركاب ومساحات الأمتعة وبالرغم من أنها ليست الطريقة الأكثر كفاءة للشحن لكنها الأسرع حاليًا. طائرات الشحن مهيأة لشحن الحمولات في حاويات مصممة بطريقة تشغل أكبر مساحة ممكنة من جسم الطائرة الأسطواني، ويمكن تحريك هذه الحاويات كوحدة واحدة آليًا مما يختصر وقت تحميل وتفريغ الطائرة. أما نقل البضائع في طائرات الركاب بالطريقة المذكورة آنفًا يستهلك الكثير من الوقت والجهد والعمل اليدوي لكن الغاية النبيلة تبرر الوسيلة.
على صعيد التخزين سخرت أندية رياضية منشآتها في جهود مكافحة المرض، وتحول ملعب ريال مدريد السانتياقو بيرنابيو إلى مركز لتخزين الأدوات الطبية في إسبانيا، وتحول ملعب الماراكانا الشهير في البرازيل فقد تحول لمستشفى ميداني مؤقت لاستقبال ضحايا الفيروس. ووضع فريق كرة القدم الأمريكية "New England Patriots" طائرة الفريق تحت تصرف الهيئات الطبية لشحن الأدوات الطبية من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
من أشكال الاستجابة اللوجستية هي ما قامت به القوات البحرية الأمريكية بإرسال الباخرة الطبية (Comfort) لترسو في نيويورك، وهي أشد الولايات تضررًا من الفيروس، لتوفير سعة إضافية لمعالجة المصابين. الباخرة الطبية تحتوي على 500 سرير لرعاية المرضى 100 منها مجهزة بأجهزة تنفس اصطناعي لتكون وحدات عناية قصوى. هذا النوع من الاستجابة اللوجستية ليس جديدًا فقبل أكثر من مئة عام استخدمت سفينتين خلال وباء الانفلونزا الإسبانية عام 1918 لتقديم الرعاية للمصابين في نفس الولاية.
الدعم اللوجستي لا يقتصر على نقل المواد الطبية فقط، بل حتى نقل الخبرات والمعلومات والمعارف، أرسلت الصين بعد انتهاء الجائحة فيها كوادر طبية لتدارك انهيار النظام الطبي الإيطالي بسبب كثرة المصابين، وفي أمريكا تم نقل عدد من الكادر الطبي من ولاية أتلانتا إلى ولاية نيويورك لرفع القدرة الاستيعابية وسرعة الاستجابة للإصابات المتزايدة.
تتسم العمليات اللوجستية خلال الأزمات بطابع ردة الفعل وليس التجهيز المسبق مما يجعلها أقل كفاءة من العمليات المخطط لها، لكن سرعة الاستجابة عادة ما تكون أولوية خلال هذه الظروف.
حسين الشيخ
مختص في إدارة اللوجستيات