اللعب جزءٌ لا يتجزأ من الطفولة، فالطفل يكتسب مهارات جديدة وتتوسع مداركه من خلاله. ومن هنا كانت أهمية اللعب كأسلوب تعلّم، وتشخيص وعلاج أيضاً؛ حيث أكدت أغلب مدارس الطب النفسي على أهميته في علاج أمراض الطفولة.
ويعّرف اللعب على أنه أي سلوك ممتع يقوم به الطفل يتضمن إشباعاً للحاجات وتعبيراً عن النفس وفهم العالم، وتكمن أهميته في:
- مساعدة الطفل على التعرض لمفردات جديدة والتي يكتسبها من أقرانه بشكل أسرع وأفضل.
- صقل شخصية الطفل واكتساب القيم.
- يقوي الجهاز الهيكلي للطفل ويحفز النمو السليم والسريع.
- تنمية قدرات الطفل العقلية، والفكرية والإدراكية.
- يطور مفاهيم اجتماعية لدى الطفل مثل الصداقة والاحترام.
وليطور طفلك الجميل اللعب لا بد أن يمر بعدّة مراحل. فبعَد أن يبصر صَغيرك النور في حِضنك الدافئ، يبدأ يتفاعل مع العالم من حوله وتتغذى حواسه. عندها يَبدأ باستكشاف الأشياء ويَنجذب إلى الأصوات ومُختلف الألوان، ويا لسعادتك عندما يَمسك بلعبته الأولى. وكم يَزداد قَلقك عندما يَضع الألعاب في فَمه خوفاً من أن يبلعها أو تؤذيه.
فطفلك منذ نعومة أظافره يُطّور ما يُسمى "باللعبِ الحسي أو الاستكشافي" والذي يَستمر حتى سِن السنة والنِصف إلى الثانية مِن عمره. وإنما سُميّ حسياً لأنه يـشبع جَميع حواس طفلك.
بدايةً يستكشف طفلك العالم حوله من خِلال فمه، فالتذوق لدى طفلك هي الحاسة الأقوى في هذا العمر؛ ليميز من خلالها ما يؤكل وما لا يؤكل. وتتطور باقي الحواس لديه تباعاً، يعصُر الدُب المحشو بيديه أو يَرمي الألعاب ليستمتع بصوت ارتطامها بالأرض.
في هذه المرحلة عَززي طفلك دائماً وشاركيه اللعب وتَحدثي مَعه، واحرصي على اقتناء ألعاب لا تحتوي على قطع صغيرة قابلة للبلع. ولا تنسي تعقيم ألعابه دائمًا.
لاحقاً طفلك الصَغير يتَخطى أولى خطَواته، وقلبك المُرهف يتَطاير فرحاً، فقَد أطفأ الآن شمعته الأولى وتَبعها بأشهر، والآن نَطق كلمته الأولى ويا لسعادتك حين ينادي "ماما" أو "بابا" حيث تطورت مهاراته الإدراكية، السَمعية، اللَغوية وكذلك التَواصلية وهي في تَطور مُستمرٍ ودائم. وتتطور مهارات اللعب لَديه تباعاً فيميز الألعاب بشكل أوضح، ويتَعلم طرقاً جديدة للعب.
فـجميلك الصغير يَبدأ بفصل المكعباتِ عن بعضها ومن ثم تتطور مهاراته لاحقاً ليجمَعها مع بعض وكذلك يَفعل بـ "البزل". وستَعلو قهقهاتك عندما يضع هاتفكِ على أذنه ويحاول تقليدك وأنت تتحدثين، أو يأخذ الكأس ويقلّدك في شرب الماء أو العصير وسيبهرك عندما يحرّك سيارته الصفراء أو يضع قطع "البزل" الصغيرة في أماكنها الصحيحة بعد محاولات عِدة. وسَيستمر طفلك في توظيف الأدوات بشكلٍ صحيحٍ ليتطورَ لعبه أكثر عند بلوغ عُمر السَنتين وهذا ما يسمى "باللعب الوظيفي".
وعندما يبلغ طفلك الجميل السنة الثانية من عُمره، تتطور مداركهُ وحواسهُ، يكتسب كلمات جديدة كل يوم ويوظّف الكثير منها فيشاركك أجمل تفَاصيلَ حياتك ويعيها، يفرح معك ويجيب على أسئلتك المتنوعة، فتسابقك ضحكاتك في إعلان سعادتك وافتخارك.
وتبعاً لتطوره الإدراكي والمعرفي، تتطور لديه مهارات اللعب. طفلك الآن قادرٌ على تخيل الأشياء واللعب بها بطرق مختلفة تُثير استغرابك أحياناً، وتضحكك حدّ الدهشةِ أحيانًا أخرى!
ترينه يضع الموزة على أذنه ويتحدث بها كأنها هاتف، أو يقف على العصا وكأنه يمتطي حصاناً سريعاً، أو يضع الكارتون فوق رأسه وكأنه بخيمته، والكثير من التخيلات الطريفة. ويُعرّف هذا النوع من اللعب بـ "اللعب التَرميزي"، وهو أن يلعب طفلك بأدوات معتادة بطرق مختلفة ومبتكرة مغايرة للاستخدام الحقيقي لها. ويستمر مع طفلك هذا النوع من اللعب لآخر مراحل الطفولة ويوظفه بطرق مختلفة. كم طفلك الجَميل مُبدع!
بَعد اكماله لعامه الثالث؛ ستَلمسين تَطوراً سريعاً ومُبهراً في لغتهِ التعبيرية، والاجتمَاعية، والنَحوية وكذلك مداركه. سيُبهرك بالمفرداتِ الهائلة التي يكتسبها كل يوم، وكذلك بتنوع التراكيب المستخدمة في جُمله التي تحتوي على مشاعره، خبراته وأحلامه ليشاركك بها.
يكتسبُ بطلك بهذا العمر قدراتٍ متنوعة للتعبير عن نَفسه، وتظهر أغلبُ هذه الطرق على هيئة اللعب. كيف؟
يطور في هذه المَرحلة لعبه الترميزي ليصبح أكثر واقعية، ويسمى بـ "اللعب التَخيلي" حيث الطفل يتَخيل نفسه على أنه شخص آخر أو بوظيفة مُعينة بناءً على الخبرات التي تعرض لها.
يُلاحظ اللعب التخيلي لدى الفتيات بمعدل أعلى لقدرتهن على التعبير أكثر من أقرانهن الأولاد، حيث إنها تمسك بدميتها وتتعاطى معها كأمها فتارة تطعمها وأخرى تحممها. أو تأخذ دور السيدة التي ترتدي حذاءً عالياً وتحمل حقيبة يدها ذاهبةً للتسوق أو دور المعلمة التي تشرح لدماها درساً دسماً!
ويظهر كذلك لدى الأولاد حيث يلعب دور الشرطي في لعبة "شرطي وحرامية" أو دور الدكتور الذي يعالج المَرضى أو الأب الذي يتسوق بـ "السوبرماركت".
خلاصةً؛ اللعب يجعل طفلكِ أكثر ابداعاً. العبي مع طفلك وشاركيه طفولته واستمتعي، فهذه هي الفُرصة المناسبة لتطوير لغته، صقل شَخصيته وهويته الاجتماعية، معرفة تصوراته وخيالاته وكذلك مخاوفه.
استمتعي بطفولته فسرعان ما سَيكبر.
شفيقة الدمستاني
أخصائي سمع ونطق