المرض النفسي علامة تشير أحيانًا لأمراض جسدية ... د. فضل: أمراض عضوية تسبب الاكتئاب

قال د. حسن فضل استشاري الطب النفسي في مركز ابن حيان أن هناك أمراضًا عضوية تسبب الاكتئاب. وأوضح أن هناك جملة من الأمراض النفسية تسببها التغيرات العضوية أو بعض الأمراض الجسدية.

وأكد أن الارتباط بين الأمراض والاكتئاب تدعمه وتقويه القابلية الجينية للفرد والظروف البيولوجية في الجسم عند الإصابة بالأمراض العضوية. مشددًا أن الارتباط الكبير لا يعني التلازم بين الأمراض والإصابة بالاكتئاب.

وبين أن الاكتئاب أحيانًا قد يكون أحد أعراض الأمراض العضوية كالغدة الدرقية والجلطات والأورام. وقال: "استطعت اكتشاف أمراض عضوية لأشخاص جاؤوا للعيادة للعلاج من الاكتئاب".

وقال أن التغيرات الجسدية التي تحدثها الأمراض في الدماغ والمستقبلات العصبية وتسبب الاكتئاب قد تظهر  في أشعة الدماغ التخصصية وأيضًا في تحاليل الدم وبعض الأدوات التشخيصية الأخرى وأهمها أخذ التاريخ المرضي الدقيق والمطول الذي يساعد في اكتشاف إن كان الاكتئاب ناتج عن المرض العضوي.

 

كيف للأمراض الجسدية أن تسبب الاكتئاب؟

قبل الإجابة عن السؤال أود الإشارة لفرع مهم من فروع الطب وهو الطب النفسي الجسدي وهو الاختصاص الذي يشخص ويعالج الأمراض النفسية التي تسببها التغيرات العضوية أو بعض الأمراض الجسدية.

وبالعودة للسؤال، الاكتئاب مرض نفسي - السائد في المفهوم العام أنه ناتج عن ضغوطات حياتية - وهذا ليس دقيق، فهو مرض متعدد العوامل التي تعمل مجتمعة للإصابة منها البيولوجية ومنها الجينية، ناهيك عن وصف الشخص بأنه مصاب بالاكتئاب لمجرد شعوره بالحزن أو الضيق.

الاكتئاب مرض يشخصه الطبيب النفسي وله أعراض كثيرة قد تظهر الكثير منها على الشخص وقد تظهر بعضها، على سبيل المثال الحزن من أشهر وأبرز الأعراض لكنه قد لا يظهر في بعض الحالات وتسيطر أعراض أخرى.

 

ما هي الأمراض العضوية التي تسبب الاكتئاب؟

قد تسبب بعض الأمراض الاكتئاب، ومنها الأمراض الالتهابية أو المناعية كالروماتيزوم والتصلب اللويحي المتعدد، وأمراض الدم كفقر الدم أو الاختلالات في الأملاح والفيتامينات، وكذلك أمراض الغدد الصماء وخصوصًا الغدة الدرقية، إضافة للاختلالات الهرمونية، والأورام والجلطات، والاختناق الليلي، وأمراض الجهاز العصبي ومؤخرًا الكورونا.

وهنا ترتفع خطورة إصابة بعض الأشخاص بالاكتئاب من الذين يعانون من أمراض معينة كداء السكري والأمراض المناعية وجلطات القلب والدماغ ولذلك يستعين الأطباء المعالجين بالطبيب النفسي عند ظهور علامات الاكتئاب للتعرف على حقيقة الحالة واتخاذ التدبير العلاجي المناسب لكي يسهل علاج الحالة الأصلية.

 

ألا تشكل الأمراض ضغوطًا نفسية تؤدي للاكتئاب؟

نعم، وهذا مسلم به، ولكن الضغوط ليست السبب الرئيس، فالأمراض العضوية تتسبب أيضًا في تغيرات في الدماغ والمستقبلات العصبية وهذا العامل البيولوجي الذي يسبب الاكتئاب والذي يتمثل بشكل عام في ارتفاع بعض الهرمونات مثل الكورتيزول أو بعض المواد التي ينتجها الجسم في حال الالتهابات الحادة بالإضافة إلى تغييرات مباشرة في تركيب الدماغ في بعض الحالات.

 

هل هناك تلازم بين تلك الأمراض العضوية والاكتئاب؟

ليس تمامًا، فليس كل مصاب بالاكتئاب لديه مرض عضوي، وليس كل مصاب بمرض من الأمراض العضوية السابقة الذكر يصاب بالاكتئاب.

هناك ترابط تدعمه وتقويه القابلية الجينية للفرد والظروف البيولوجية في الجسم عند الإصابة بالأمراض العضوية. ولكن مما لاشك فيه إن احتمالية الدخول في مرض الاكتئاب ترتفع بشكل كبير لدرجة إنها تشمل معظم المرضى لبعض هذه الأمراض الجسدية.

 

ماذا عن الأدوية؟

بعض الأدوية كالكورتيزون والإنترفيرون على سبيل المثال لا الحصر تسبب اختلال في نظام الجسم وتؤثر على الجهاز العصبي الذي يؤدي للإصابة بالاكتئاب.

 

من الذي يستطيع تشخيص الاكتئاب الطبيب النفسي أو الطبيب المعالج؟

التشخيص مسؤولية مشتركة بين الأطباء، فطبيب العائلة من جهة وأطباء الاختصاصات الأخرى من جهة والطبيب النفسي يجب أن يتعاونوا لكي لا يتم إغفال أي حالة، فمثلا يجب على الأطباء التنبه إلى مريضهم هل يعاني نفسيًا ولو بسؤال بسيط، وعلى الأطباء النفسيين الانتباه إن كان مريضهم لديه مرض جسدي أو يستخدم أدوية أدت إلى إصابته بالمرض النفسي. وفي مسيرتي المهنية أثناء عملي كمختص بالأمراض النفس جسدية خارج البحرين كان أطباء الاختصاصات الطبية الأخرى يستشيرونني ويطلبون مني تقييم الصحة النفسية للمريض التي اكتشف - أحيانًا - إنه يعاني من مرض جسدي آخر لم ينتبهوا له وأدى إلى تدهور صحته النفسية والجسدية.

 

ما هي طرق التشخيص؟

للحصول على صورة واضحة للحالة الصحية للمريض أول وأهم شيء هو أخذ التاريخ المرضي الدقيق والمطول، وثانيًا تحاليل للدم، وتحاليل للأملاح والفيتامينات، وتحاليل لحالة الغدة الدرقية، وتخطيط للقلب، وصور أشعة تخصصية للدماغ لبعض الحالات.

 

كيف يتم علاج هذه الحالات؟

علاج هذا النوع من الاكتئاب يسير في خطين متوازيين الأول علاج المرض المسبب والثاني علاج الاكتئاب. وهذا يساهم في تحسن الصحة الجسدية والنفسية في آن واحد، وقد يتقدم علاج الاكتئاب على العلاج العضوي أو التأهيل لمرضى الجلطات الذين تعيقهم أعراض الاكتئاب كعدم الرغبة، وفقدان الأمل في التعاون مع أخصائي العلاج الطبيعي.

وفي مثال آخر مرضى السكر المصابون بالاكتئاب قد يتركون المتابعة الطبية والالتزام بالأدوية مما يعرضهم لمضاعفات، وتجدر الإشارة هنا أيضا إلى مرضى الجلطات القلبية التي تعد إصابتهم بالاكتئاب عامل خطورة كبير لإصابتهم بجلطات أخرى ويزيد من احتمالية الوفاة وبدرجة لا تقل عن خطر التدخين أو ارتفاع ضغط الدم.

 

كلمة أخيرة؟

الحمد لله مؤخرًا لاحظت تقبل الناس لطلب العلاج النفسي، وهذا بفضل تقدم الطب النفسي في المقام الأول وارتفاع وعي الناس بهذا الحقل الطبي المهم.

ولكن من خلال معاينة زوار العيادة وتعليقات الأفراد في مواقع التواصل الاجتماعي لاحظتُ التأثر الكثير بالمعلومات التي تنشر هنا وهناك وبعضها غير دقيق والبعض الآخر منها غير صحيح، ومنها الذي يحمل رسائل تسويقية لمنتجات أو خدمات تدعي أنها تساهم في تعزيز الصحة النفسية والأسوأ من ذلك هو مراجعة غير المختصين والذين لم يصرح لهم رسميًا بالممارسة في هذا المجال فيعطوهم نصائح مدمرة من ناحية أو لا يحفظوا خصوصيتهم من ناحية أخرى، ولعل من أسوأ ما لقيته مع مراجعي هو نصحهم بأدوية نفسية من قبل غير المصرح لهم بذلك فترى إن التشخيص خاطئ عند بعضهم أو إن الدواء خاطئ مما أدى إلى مضاعفات سيئة لدواء لم يكن له داعي أصلا.

فنصيحتي الأخيرة لقراء الطبي إذا كان الشخص الذي راجعته لا يعمل في عيادة أو مستشفى فعليك الحذر من تشخيصه ولا تقبل منه أي دواء ما لم يكتبه في وصفة موقعة ومختومة لكي يتحمل مسؤلية علاجك رسميًا .


pdfmedical