بالفنون والتغريد شباب بحرينيون يتحدون "عار" الأمراض النفسية... تقرير: زهراء غريب

يذبلون ببطء في إناء وُضِعوا فيه إثر وصمة العار ويعانون بصمت لئلا يُوسم اضطرابهم بالجنون فينبذهم المجتمع كما حدث للكثير. واقع يحاول عدد من الشباب البحريني تغييره وتحديه علناً بطرح تجاربهم الشخصية في مواجهة المرض النفسي على فضاء وسائل التواصل الاجتماعي.

وهو سعي شجعته أصوات شبابية انخرطت في جهود التوعية بالصحة النفسية؛ إيماناً بأن زيارة الطبيب النفسي أمر لابد أن يكون متاح ومألوف تماماً كالحديث مع صديق.

 

 

أعراض جانبية

 

ارتكزت الكاتبة والفنانة التشكيلية، جمانة القصاب (٢٦ ربيعاً) في عملها الفني "أعراض جانبية" على المرض النفسي وأبعاده المرتبطة بالعلاج والتعافي؛ فحازت مؤخراً جائزة المركز الثالث في معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية الــ47.

وبشأن اختيارها طرحاً فنياً يتصل بالتوعية الصحية النفسية، توضح:" كان الموضوع ملحًا لسببين الأول هو وصمة العار المحيطة به، والثاني كثرة انتشار الأمراض النفسية في محيطي الشخصي. وجدت أن ثيمة المرض النفسي والتعافي موضوع ذو ضرورة ملحّة للتعاطي معه في عمل تركيبي".

وتشجع القصاب على اللجوء إلى العلاج في حال الإصابة بمرض نفسي، وعدم رفضه خوفاً من وصمة العار" فطلب المساعدة في الوقت المناسب هو ما ينقذك، أما المحيط الذي تتمسك برأيه فقد يكون سببًا في غرقك أكثر". 

 

 

صغيرة على الاكتئاب

الفنانة البصرية إيناس سيستاني (34 ربيعاً) التي شخصت إصابتها باضطراب الشخصية الحدية، توظف مهاراتها في التصوير الفوتوغرافي بصور تناقش الصحة النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي. وتجد في الفن طريق يصل رسائلها بالناس "فلم أعد أرغب بأن يمر المصابون بمرض نفسي بمثل ما مررت به، وأردت أن يدركوا بأن الخطوة الأولى للتعافي هي قبول العلاج كما لو كانوا يعانون مرضاً جسدياً. لذلك حرصت على أن تبرز أعمالي التأثيرات التي يمكن أن تحدثها كلمات الناس على المرضى. فصممت مشروعي الأول لأحكي قصة معاناتي مع الاضطراب وأعكس مفهوم وضرورة التعايش مع الأمراض النفسية وكيفية تعاطي المجتمع معها".

وترددت إيناس في اللجوء إلى علاج مرضها النفسي الذي بدأت ملامحه تظهر خلال مرحلة المراهقة في شكل اكتئاب شديد" لأن الناس دائماً كانوا ينعتون مستشفيات الأمراض النفسية بمستشفى المجانين، والأشخاص المصابين بالأمراض النفسية والعقلية بقلة الايمان؛ لذلك تجاهلت الأمر ولكن عندما تفاقمت حالتي اضطررت لطلب المساعدة".

وتستذكر رحلتها العلاجية فتقول: "زرت الطبيب النفسي لأول مرة في عامي 14 لكن تجربتي معه كانت غير مطمئنة؛ لأنه جزم بأني صغيرة جداً على الإصابة بالاكتئاب وأن الصلاة كفيلة بعلاجي.  لكن توقفي عن مراجعة المختص لم ينهي الأعراض بل زادها حدة كلما كبرت، فلم أتعامل مع مجرد نوبات حزن وفراغ إنما تطورت إلى تقلبات مزاجية حادة أثرت على حياتي وعرقلت إنتاجيتي خلال دراستي للماجستير في الولايات المتحدة الامريكية، عندها لجأت مجدداً إلى طبيب مختص شخص إصابتي باضطراب الشخصية الحدية عام 2019".

ونتيجة للعلاج لمست تغييرات وتحسينات في حياتها " إذ شعرت بأن ثقلاً أزيح عن صدري، وأنني لست وحيدة، وتلقيت تمارين للتعامل مع نوباتي ومشاعري بالشكل الأفضل. والتزامي بأخذ الأدوية وحضور جلسات العلاج جعلني لأول مرة لا أشعر بالخجل مما أنا عليه فتمكنت من السيطرة تدريجياً على حياتي".

 

 

" أبطلوا المفعول"

 

بين حين وآخر، تتحدث طالبة ماجستير الصحة النفسية في بريطانيا، زينب بوسهيل (26 ربيعاً) عبر الانستغرام عن كون الصحة النفسية جزءًا أساسيًا من صحة الإنسان، وتبدي فخرها بقرابتها الأسرية ببعض المرضى النفسيين. مشيرة إلى ضرورة إبطال مفعول وصمة العار المجتمعية التي تلازم المريض وأسرته طوال الحياة دون أي ذنب" فقد عايشت تجارب كانت تزداد صعوبة بسببها مع بعض أفراد أسرتي المصابين ببعض الأمراض النفسية".

وتستطرد بوسهيل:" كما صادفتني حالات مؤثرة لمرضى خسروا وظائفهم ومكانتهم المجتمعية بعد انتكاسة مرضية أو تحفز جينات لإحدى الأمراض النفسية في سن الرشد، والمحزن في الأمر أنهم كانوا قد عاشوا حياتهم طبيعياً واجتهدوا لتكوين مستقبل دراسي ووظيفي وصيت اجتماعي أو أسرة قائمة".

وتشدد بوسهيل على إلزامية وجود برامج دعم نفسي لجميع الفئات العمرية كخطوة لبناء أجيال لا تخضع لوصمة العار" بحيث يقر الجميع بوجود الاضطرابات النفسية كمرض لا عيب، فلا يخجل المرضى أو أفراد أسرتهم من مناقشة حالاتهم؛ فنحن بشر وكلنا معرضون للتعب والحزن والاجهاد".

 

 

تغريد رشدان واجب مهني

 

 الطبيبة المتدربة، فاطمة رشدان (26 ربيعاً) تجزم بناءًا على تجربتها السابقة في التغلب على الاكتئاب بأن وصمة العار تشكل عائقاً اجتماعياً على المريض النفسي وتمنعه من طلب المساعدة "إذ يُصنف كشخص خطر على المجتمع وغير مدرك ومسؤول عن تصرفاته".

رشدان التي نشرت تغريدات توعوية عن أعراض الاكتئاب عبر حسابها في منصة تويتر، تشير إلى أن بعض المرضى يرفضون العلاج النفسي لاعتقادهم بأن الأدوية الخاصة بعلاج الاضطرابات النفسية تسبب الإدمان " لكنه أمر غير صائب فجميعها آمنة ومعتمدة ومناسبة لحالة المريض الصحية ذاته".

وتجد أن واجبها المهني كطبيبة مستقبلية يحتم عليها تصحيح المفاهيم والمعلومات المغلوطة المرتبطة بالأمراض النفسية "من قبيل اعتقاد شريحة كبيرة من المجتمع بأن المصابون بمثل هذي الأمراض كسولين وايمانهم ضعيف أو مبتعدين عن الله، وهذا غير صحيح فالأمراض النفسية شائعة جدًا وتصيب أي شخص مهما كانت ديانته أو لونه أو مستواه الدراسي والاجتماعي".

 

 

أنا عندي سر

كاتب وصانع المحتوى، محمد عبد الإله يوسف (24 ربيعاً) أطلق سلسلة من مقاطع الفيديو على جدار حسابه في الانستغرام بعنوان" أنا عندي سر" قص فيها تجربته مع اكتئاب ثنائي القطب مستثمراً موهبته في الكتابة والإنتاج المرئي وسرد القصص.

ويرى أن المجتمعات العربية لا تملك وعياً كافياً عن الأمراض النفسية " فالجميع حولي كان يفسر تصرفاتي وانفعالاتي الناتجة عن أعراض مرضي كالهوس، قلة النوم، والقيام بأشياء دون التفكير في العواقب بحركات مراهقين".

وأراد محمد وهو طالب في جامعة البحرين، أن تخلق قصته إدراكاً معرفياً يزيل وصمة العار المرتبطة بها والنظرة الدونية للمرضى النفسيين" فهم غير ناقصين يحملون شيء يميزهم عن غيرهم، وأغلبهم بعد العلاج يصبحون أشخاصاً أفضل. وتحدثت عن مرضي الذي بدأت ملامحه تظهر عام 2011 تقريباً؛ للتأكيد أن الإصابة بالاضطرابات النفسية ليست عيباً أو نهاية العالم؛ فهي أشبه بحدوث كسر قابل للشفاء وتجاهل علاجه سيؤدي إلى تفاقمه".

ويلفت إلى أن قبول وتفهم وجود مشكلة نفسية هو الأساس في العلاج النفسي" ففي أولى الجلسات لم أتقبل أبداً فكرة إصابتي بمرض نفسي؛ مما أدى لدخولي في دوامة اكتئاب جديدة فاعترتني مخاوف إن حياتي لن تعود طبيعية كالسابق. عالجني العديد من الأطباء النفسيين، وتغيرت وصفة الأدوية مراراً؛ لأن تأثير بعضها لم يكن فعالاً والبعض الآخر منها أحدث أعراض جانبية كظهور بقع حمراء في جسدي. لكني رغم كل شيء وصلت إلى مرحلة ثبات مع الأدوية".

ويشير محمد الذي يطمح بأن يكون صانع محتوى مختص بالصحة النفسية إلى التحول النوعي الإيجابي في حياته بعد العلاج:" تحسنت حياتي إذ بدأت بفهم نفسي بشكل أكبر وتعلمت كيفية التعامل مع نوبات الاكتئاب والهوس، وتوظيف طاقتي في أمر واحد لإنجازه بالطريقة الأفضل بدلاً من إنجاز أمور عدة بتفكير مشوش. اهتممت بنفسي وراعيت مشاعر الآخرين. وأدركت أن الأيام السيئة لا تلغي حقيقة كوني شخص مهم لذاتي أو لمن حولي".

 


pdfmedical