بينما أنت جالس في مؤسسة ما أو أي مكان آخر، مع من حولك من الأفراد وإذ بشخص ما لا يرتدي كمام الوجه يسعل بشدة على بُعد صفوف قليلة من الخلف. وهنا أنت والآخرون تحاولون إلقاء نظرة على ما يجري، وإذا بذلك السعال يزداد بشكل عميق ومستمر! ربما لم يقل أحد شيئًا للرجل. ومع ذلك، إذا كان هناك شخص ما قد فعل ذلك، فأنا أتخيل أنه كان من الممكن أن يرد بعبارة مألوفة حاليًا خاصة ونحن في زمن الوباء: لا تقلق، إنه ليس كورونا (كوفيد-١٩)!
حتى تلك اللحظة يمكن أن تكون مثل هذه التأكيدات جيدة ومهذبة نوعًا ما، لكي لا يقال أنك قد أمطرتهم بفيروس قاتل! كيف ولا وقد اتضح مؤخرًا أن اختبار كورونا السلبي (لا تحمل الفيروس) خاصة في الأيام الأولى من المرض المصحوب بأعراض، لا يضمن عدم إصابتك بالعدوى.
من ناحية أخرى إذا كنت تشعر بحمى وزكام مثلًا، ولمجرد أنك لا تعاني من كورونا، لا يعني ذلك أن ترمي كمام الوجه وتذهب على متن طائرة أو في تجمع ما وبجوار أشخاص آخرين، فهذا بلا شك مؤذي وقد يحمل من الوقاحة الشيء الكثير، لأنك بذلك - إن استطعت القول - ربما تدمر إجازة شخص ما، ولعل أحد هؤلاء ذاهب لرؤية والدته أو والده وتكون سببًا في موت أحدهم أو دخوله المستشفى، فدعونا لا ندمر حياة الآخرين وخططهم.
لا سيما وعلى مدار العامين الماضيين، خضع المجتمع لدورة تدريبية مكثفة وغير مباشرة من خلال شتى السبل ولمنع انتقال فيروس كورونا. بالواقع، لقد تعلمنا أهمية الاختبارالطبي والتباعد الجسدي والعزل والتهوية. وبالتالي تنطبق هذه الدروس أيضًا على مسببات الأمراض الأكثر شيوعًا مثل الإنفلونزا وفيروسات كورونا وسلالاتها المختلفة والتي حقيقة أعادت تشكيل حياتنا. والبديهي للأمر أننا أدركنا الآن وبشكل أفضل من أي وقت مضى كيف تكون شخصًا مريضًا، وهنا سنرى ما إذا كان أي شخص يستخدم هذه المعرفة للتطبيق على أرض الواقع!
وهذا يقودني للاعتقاد أن أول وأهم قاعدة للشعور بالمرض هي البقاء في المنزل. وأجزم هنا أن هذا التوجيه هو الأسهل والأصعب في آن واحد. سهل لأنه بسيط للغاية: ابق في منزلك! ولا خبرة فنية مطلوبة. وصعب لأن اتباعه في الواقع ينطوي على اضطرابات كبيرة في الحياة اليومية لأي شخص.
أضف إلى ذلك، أن من الممارسات الجيدة أيضا إخطار الأشخاص الذين ربما تكون قد خالطتهم - وإن بدى ذلك محرجًا- تمامًا عندما تم تشجيعنا على فعل ذلك مع كورونا، فإذا كنت تعاني من الحمى - على سبيل المثال - فاعزل نفسك قدر الإمكان حتى 24 ساعة على الأقل بعد زوالها. وإذا لم تكن مصابًا الحمى، فيجب أن تكون واضحًا للعودة إلى من حولك بعد اختفاء الأعراض. من جهة أخرى إذا كنت لا تزال تظهر عليك الأعراض بعد فترة العزل مثلًا، أو إذا كان يجب عليك الخروج قبل انتهائها، لارتباطك بالعمل وصعوبة الإجازة المرضية فيجب عليك ارتداء كمام عالي الجودة.
ختامًا، أرى أن الجزء المعقد من العزل هو معرفة متى تتوقف، فلا توجد صيغة واحدة تناسب الجميع بل وتعطينا الإجابة الصحيحة في كل حالة، ولكل نوع من أنواع العدوى. قد يكون شخص واحد خاليًا من الفيروس بعد خمسة أيام من ظهور الأعراض، وقد لا يزال آخر شديد العدوى. حتى بالنسبة للأشخاص الأكثر مسؤولية بيننا، يمكن أن يؤدي هذا الغموض إلى بعض التفاضل والتكامل المحرج. فهل يمكنك تحمل تفويت غذاء العائلة والتجمع الأسري، وهل سيكون من الصعب إلغاء خطط السفر تلك...هل يجب عليك ذلك؟!
د. يوسف بن علي الملا
طبيب-مبتكر وكاتب طبي
سلطنة عمان