الحواس هي النافذة الوحيدة على العالم الخارجي، فالبشر يعتمدون على حواسهم لإدراك العالم، والتواصل مع بعضهم البعض.
ورغم ذلك، نادرًا ما يتساءل الناس عن مدى وضوح تمثيل حواسهم للواقع المادي الخارجي. خلال العشرين عامًا الماضية، كشفت أبحاث علم الأعصاب أنّ القشرة الدماغية توّلد باستمرار تنبؤات بشأن ما سيحدث، وأنّ الخلايا العصبية المسؤولة عن المعالجة الحسية تقوم فقط بتشفير الفرق بين تنبؤاتنا والواقع الفعلي.
نقلًا عن دراسة حديثة (يناير ٢٠٢١م) منشورة في موقع "ساينس ديلي"، توّصل فريق من علماء الأعصاب إلى نتائج جديدة تُظهر أنه ليست فقط القشرة الدماغية، بل المسار السمعي بأكمله، يُمثل الأصوات وفقًا للتوقعات السابقة.
في دراستهم، استخدم الفريق التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لقياس استجابات الدماغ لـ 19 مشاركًا أثناء استماعهم لتسلسل الأصوات. تم توجيه المشاركين إلى العثور على الأصوات في التسلسل التي تنحرف عن الأصوات الأخرى. بعد ذلك، تم التلاعب بتوقعات المشاركين بحيث يتوقعون الصوت المنحرف في مواقف معينة من التسلسلات. وقد تعرّف المشاركين على الانحراف بشكل أسرع عندما تم وضعه في المواضع التي توقعوها.
يمكن تفسير هذه النتائج بشكل أفضل في سياق الترميز التنبؤي، وهي نظرية عامة للمعالجة الحسية تصف الإدراك بأنه عملية اختبار فرضية. يفترض الترميز التنبؤي أنّ الدماغ يوّلد باستمرار تنبؤات حول الشكل الذي سيبدو عليه العالم المادي، والأصوات والمشاعر، والرائحة في اللحظة التالية، وأنّ الخلايا العصبية المسؤولة عن معالجة حواسنا توفر الموارد من خلال تمثيل الاختلافات فقط بين هذه التنبؤات والعالم المادي الفعلي.
أيّ أنّ معتقداتنا الذاتية حول العالم المادي لها دور حاسم في كيفية إدراكنا للواقع.
نظرًا لأهمية التنبؤات في الحياة اليومية، يمكن أن يكون لضُعف انتقال التوقعات إلى المسار تحت القشري بالدماغ تداعيات عميقة في الإدراك. وقد تمّ بالفعل ربط عسر القراءة النمائي، وهو اضطراب التعلم الأكثر انتشارًا، باستجابات متغيرة في المسار السمعي تحت القشري.
يمكن أن تقدم النتائج الجديدة تفسيرًا موحدًا لسبب وجود صعوبات في إدراك الكلام لدى الأفراد المصابين بعُسر القراءة، وتزويد علماء الأعصاب بمجموعة جديدة من الفرضيات حول أصل الاضطرابات العصبية الأخرى المتعلقة بالمعالجة الحسية.
ومفاد القول، أنّ كل ما نسمعه ونحسّه هو نِتاج لتوقعاتنا والتنبؤات التي نسجتها أدمغتنا لما سيحدث، وأنّ معتقداتنا الداخلية لها نصيب الأسد في كيفية إدراكنا للواقع، فكأن العالم الخارجي مرآة تعكس ما بداخلنا.
ريحانة حبيل
اختصاصية صعوبات تعلم
عضو المختبر الإبداعي