التقييم النفسي الإكلينيكي... حسين آل ناصر

تمر خطوات العلاج بمراحل متعددة تبدأ جميعها بالتقييم وتنتهي بتصميم الخطة العلاجية المناسبة للمريض.

ورغم وضوح الصورة الإجمالية لخطوات العملية العلاجية، إلا أنها أكثر تعقيدًا حينما يتعلق الأمر بالتقييم النفسي الإكلينيكي للمريض.

يعتمد التقييم النفسي على جمع معلومات مفصلة عن المريض منذ تاريخ ما قبل ميلاده إلى الوقت الذي حضر فيه للعيادة للمساعدة وطلب العلاج، ولا يعني ذلك أن التقييم عملية تبدأ بفترة وتنتهي بأخرى بل إنها عملية ديناميكية ومستمرة يتم التحقق منها خلال الجلسات.

تجمع البيانات الأساسية المتعلقة بالمريض منذ الجلسة الأولى وتتضمن الاسم، العمر، الجنس، المستوى التعليمي، بالإضافة للوظيفة والحالة الاجتماعية.

ومن ضمن النقاط التي يعتنى بها في الجلسة التقييمية ما يعرف بمصدر التحويل وسببه، فهي تمدنا بمعلومات عن أسباب طلب العلاج، وآراء المختصين الآخرين، وتعتبر معلومات الدافعية والاستبصار لدى المريض من أهم النقاط التي يمدنا بها هذا الجزء ويقدم لنا تصورًا حيالها.

يحضر المريض للعيادة بشكاوى ومشكلات متعددة تكتب بكلماته وألفاظه، وتجمع بشكل دقيق جدًا يأخذ في الاعتبار جوانب المشكلة كافة، وعلى المعالج تقسيم المشكلات لرئيسية وثانوية، والهم الأكبر هو فن إعادة صياغة تلك المشكلات وتصنيفها على شكل أعراض جسمية وهنا أمثلة لبعض أعراض القلق والاكتئاب (سرعة نبضات القلب، احمرار الوجه، الارتعاش)، أعراض سلوكية (سلوكيات أمان، التجنب، العزلة)، أعراض انفعالية (قلق، خوف، غضب، شعور بالذنب)، أعراض معرفية (الأفكار السلبية، عدم القدرة على اتخاذ القرار، النسيان، التشتت).

من المستحسن عند جمع التاريخ المرضي تجنب الأسئلة المغلقة واستبدالها بالأسئلة المفتوحة، وذلك من شأنه أن يقدم صورة تفصيلية أكثر دقة للأعراض علاوة على أنه يسهم في ملاحظة تعبيرات المريض وانفعالاته خلال الجلسة وأثناء تحدثه عن الأعراض.

ومن أجل إزالة الثغرات المحتملة أثناء جمع التاريخ المرضي، ينصح المعالج بعد جمع الأعراض بالتحقق من مدتها وشدتها ويكتب ذلك بشكل تفصيلي، ومنها على سبيل المثال: مريض وسواس قهري يكرر الوضوء سبع مرات، درجة القلق 80 / 100، وتأثير الوسواس واضح في الأنشطة الاجتماعية والمهنية للمريض.

ولا ينبغي أن يغفل عن جمع تفاصيل التاريخ المرضي السابق للمريض، وهذا الجزء يهتم بالتاريخ المرضي النفسي بشكل خاص ويتضمن التاريخ الطبي للأمراض بشكل عام، مع تفصيل للعلاج الدوائي ونتائجه والالتزام به من عدمه، وبشكل دقيق يجمع هنا أيضًا التدخلات العلاجية السابقة بأنواعها المختلفة.

يلعب التاريخ المرضي الأسري دورًا في التهيئة للاضطراب ويوفر بيئة خصبة لإظهاره وتدعيمه، ولذا لا بد للفاحص الحذق أن يبحث في المعلومات المتعلقة به، ولا شك أن هذا الجزء لن يؤثر في العلاج فحسب وإنما في الوقاية كذلك.

وهناك محاور أخرى مهمة جدًا في التقييم النفسي تؤثر في جودته وصورته النهائية تجمع بعناية وحساسية مثل التاريخ الزواجي، الجنائي، وتاريخ استخدام المواد المخدرة، وليس انتهاء بالتاريخ الجنسي.

يقترح الخبراء أن كثيرًا من الاضطرابات لها امتداد يبدأ من الطفولة، لذا لا بد من جمع تفاصيل دقيقة وأحداث مهمة وجوهرية تتعلق بها، وبما يليها سواء في المراهقة أو الرشد، وذلك من شأنه أن يضفي قيمة أوسع وأعمق للتقييم النفسي.

يحدث الاضطراب النفسي نتيجة عوامل متعددة، تساهم جميعها بدرجات متفاوتة في الاستعداد له أو في تعجيله واستمراره، وغاية التقييم الرئيسية جمع العوامل المؤثرة وضمها في صورة تكاملية تعرف بصياغة الحالة، وهذا كله يؤدي في النهاية إلى نجاح الخطة العلاجية.

 

حسين آل ناصر

اخصائي نفسي إكلينيكي أول

المملكة العربية السعودية