في سياق التحولات العميقة التي شهدتها المجتمعات العربية والإسلامية، وخاصة في ما يتعلق بنمط الحياة المتميز بالسرعة، أصبحنا نلاحظ تراجعًا كبيرًا بخصوص استهلاك الأغدية الصحية الطبيعية (كالفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان وكذا اللحوم الطازجة) الغنية جدًا بالعناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم من جهة
ومن جهة أخرى ظهور بعض العادات الغذائية "السلبية" المتسمة بارتفاع الإقبال على استهلاك الوجبات السريعة الفقيرة من حيث قيمتها الغذائية، وكذا الأغدية المصنعة المتضمنة لمكونات جديدة معقدة من حيث تركيبتها الكيميائية والمتفاوتة من حيث خطورتها.
كل هذا وذاك، ساهم وبشكل مباشر في إلحاق الضرر بجهازنا المناعي وحدوث مجموعة من الإختلالات في التفاعلات الفيزيولوجية للجسم، وبالتالي التأثير سلبًا على وظائف بعض الأعضاء مما أدى بالنتيجة وبشكل حتمي إلى ارتفاع في أعداد المرضى وتفشي مجموعة من الأمراض المزمنة بشكل مهول وخطير.
كل هذه المعطيات، جعلت العديد من الهيئات والمنظمات تدق ناقوس الخطر ولا سيما أن صحة جيل بأكمله أصبحت مهددة ومستقبله الصحي على المحك! خاصة في ظل حملة إعلامية منظمة تشنها كبريات الشركات لترسيخ الثقافة الإستهلاكية (النظام الغذائي الحديث والعصري) لدى الأطفال والشباب وإخفاء حقيقة الأخطار المترتبة عنها. حيث أصبحنا نلاحظ وبشكل مرعب ارتفاع معدلات الإصابة المبكرة لفئات عمرية بأمراض السكري – فقر الدم – السرطانات – السمنة وكذا أمراض الأمعاء الإلتهابية (داء كرون والتهاب القولون التقرحي).
حاليًا، فإن الخبراء ينصحون بالعودة إلى حياة الآباء والأجداد، غذاء وسلوك، باعتباره طوق النجاة الأوحد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا فإن الإنسانية ستنجر إلى نفق مظلم غير واضح المعالم. فالجميع يدعو الآن إلى توحيد الجهود من أجل ضمان استعادة النظم الغذائية التقليدية وحمايتها لأهميتها وموقعها الذي تستحقه في أذهان الناس، وحث الجيل الشاب بالمقابل، بشكل خاص، على إعادة اكتشاف تجربة طهي وجبات صحية في المنزل والتمتع بذلك بدلًا من اختيار وجبات سريعة جميلة من حيث الشكل فقيرة من حيث المضمون. لا ننسى أن قديمًا كان هناك اختلاف في العادات ونوعية الغذاء، فقد كان الأكل جيدًا من حيث الغنى بالمواد الغذائية وتكامله من حيث العناصر وكذا من حيث مواسم نضوجه في توافق تام مع احتياجات الإنسان.
تجدر الإشارة كذلك إلى أن الوجبات الغذائية التقليدية والأصلية تلعب دورًا هامًا في القضاء على سوء التغذية الناتج عن الإنسياق وراء الأنماط الغذائية الحديثة، ومن هنا تبرز الحاجة الملحة إلى تحويل مقاصد منظومتنا الغذائية من هدف تناول الطعام للتغلب على الجوع إلى هدف أسمى يتجلى في استهلاك طعام مغذي مفيد وشامل للإحتياجات الأساسية من أجل صحة جيدة ومناعة قوية.
بصفة عامة، خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وسخر له كل شيء وأنبت من الأرض منتجات متنوعة من خضر وفواكه تتوافق مع البيئة التي يعيش فيها وطبيعة احتياجاته. وهكذا، فإن استهلاكه للمنتجات المحلية هو صمام الأمان المتوفر لضمان عيش سليم.
حري بالذكر، فالنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط بصفة عامة وجنوب المتوسط بصفة خاصة يتضمن كميات وافرة ومتنوعة من الأطعمة ذات المصدر النباتي كالخضراوات – الفواكه – البقوليات – التوابل – الأعشاب – الحبوب – المكسرات والزيوت وخاصة زيت الزيتون الذي يعتبر المصدر الدهني الرئيسي. جميع هذه النظم الغذائية يمكن أن تضيف العديد من الفوائد، نذكر منها: تقليل مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة LDL) الضار)، الوقاية من أمراض القلب والسكري، تحسن في حالات آلام المفاصل الروماتويدية، تقليل مخاطر الإنسداد الرئوي وكذا تقليل خطر عودة سرطان القولون. من هنا يتبين أن المنظومة الغدائية لبلدان جنوب المتوسط صحية ومفيدة للإنسان مما يجعل شعوب المنطقة متميزين بانخفاض معدل الأمراض المزمنة بينهم وطول أعمارهم.
د. عبدالصمد جابون
استشاري طب بدني
وإعادة التأهيل الحركي
المملكة المغربية