لمعت مياه بحر قزوين أكثر البحار المغلقة في العالم التي عانقتها أشعة الشمس في ساعات الصباح الأولى، وتأملتُ العاصمة الآذرية باكو في مشهد جوي أثناء هبوط طائرة الصقر الذهبي التابعة لأسطول طيران الخليج الناقلة الوطنية لمملكة البحرين.
حطت الطائرة معلنة وصول الرحلة المباشرة من البحرين لباكو مقلةً على متنها سياح أغلبهم من البحرين وفيهم من الأشقاء من المملكة العربية السعودية عدد لا بأسبه. حجم الإشغال على متن هذه الرحلة يشير إلى التخطيط السليم للشركة التي قررت اتاحة نقل المسافرين من البحرين لباكو في خمس رحلات أسبوعية.
الناقلة الوطنية روجت للرحلة الجديدة في وسائل الإعلام ضمن خطتها التوسعية الطموحة في فتح وجهات جديدة. استقلبتنا )أنا ممثلاً عن «السياحي » وثلاثة من الزملاء الإعلاميين البحرينيين( في المطار سابينا باجيروفا مديرة شركة GreenWich ورافقتنا إلى الفندق في حافلة سياحية جهزت خصيصاً لجولاتنا في الأراضي الأذرية برعاية طيران الخليج.
الشعلة الباردة
بعد ساعات من وصولنا للفندق انطلقنا مع المرشد الأذربيجاني الناطق بالعربية جاويد في جولة في مدينة باكو التي امتدت خارج أسوارها القديمة بفعل التدفقات النفطية وتوسعت لتبني تحفاً معمارية على ساحل بحر قزوين.
يعتز الآذاريون كثيراً بالنار ولهبها الذي يعبر عن امتدادهم التاريخي ومصدر ثروتهم من النفط والغاز اللذان جعل أرضهم مطمعاً للغزاة منذ القدم، الإحتفاء بالشعلة في باكو كان كبيراً حجمً ومعنىً فقد بنوا صرحًا معماريًا من 3 أبراج - أوسطهم فندق فرمونت الذي سكنا فيه في آخر يوم في الرحلة - أطلقوا عليها لقب أبراج الشعلة. وكان لهذه الأبراج من اسمها نصيب فشكلها الخارجي يشبه شعلة اللهب.
التحفة المعمارية التي تعد من أبرز معالم العاصمة الآذرية جمعت بين الأصالة والمعاصرة شكلها يوحي بالطابع العصري، ووظفت التقنية لتحول واجهة الأبراج الخارجية لشعلة عملاقة باردة بمصابيح LED يراها سكان باكو ليلً.
وكانت هذه نقطة الانطلاق في رحلة مررنا فيها بأشهر المعالم الطبيعية بباكو بدءًا من حديقة نوافير فيلهارمونيك التي يطلق عليها واحة باكو الخضراء، وقال المرشد أن الحديقة تعد مركزًا رئيسياً للمهرجانات العامة والعديد من العروض والاحتفالات. الحركة فيها لا تكاد تنقطع وأضفى خرير مياه النوافير خلفية صوتية جميلة مع أصوات زقزقة العصافير وتغريد الطيور. وتكريماً لأوراح شهداء التاريخ المعاصر مرت الجولة على ساحة الشهداء. ومن الطبيعة لعمق التاريخ في باكو العاصمة القديمة حيث تزدحم في منطقة Icherisheher آثار الحضارات التي تعاقبت على الأراضي الأذرية، ومنها برج العذراء المتماسك رغم قدمه.
مطعم أم متحف؟!
الكم الهائل من المشاهد والاحتكاك مع الثقافة الآذرية تطلبت استراحة وتناول وجبة غذاء في مطعم sirvansah musey restaurant ، في الحقيقة من المجحف أن نطلق عليه مطعماً فهو متحف وضعت بين جنباته طاولات تقديم الطعام.
المطعم / المتحف صُمِمَ على نظام المتاحف حيث كان كل جناح فيه مخصص لمشهد من مشاهد الحياة اليومية الأذرية، أصحاب المطعم استثمروا كل زواية فيه وحتى الجدارن علقت عليها لوحات فنية تحكي قصة أو حدثًا تاريخيًا سطره الأذريون. جلسنا على طاولة في أحد القاعات التي تشبه المحاريب لكثرة الأقواس التي تعلو مداخلها المفتوحة من الجهات الأربع، وجاء النادل الذي يرتدي الزي التقليدي لبلاده، ومعه نادلة ترتدي الزي النسائي التقليدي، يحمل الطعام في أوانٍ نحاسية. مضيفنا قدم لنا أفضل الأطباق التي يتميز بها المطبخ الأذربيجني. ومن المطعم / المتحف خرجنا لمواصلة جولتنا في شارع نظامي الشارع الذي أطلق عليه اسم الشاعر الأذربيجاني نظامي الكنجوي، وللثقافة شأن كبير عند الأذريين حيث تكثر المتاحف ومنها متحف السجاد الذي يؤرخ لصناعة السجاد اليدوي وبُنِيَ على شكل سجادة مطوية، ومركز حيدر علييف الثقافي ذا الشكل المعماري الفريد من نوعه.
بعدها انتقلنا من الشارع التجاري الصاخب بالحركة لمنطقة بولفارد باكو على ساحل بحر قزوين وأقلنا أحد المراكب في رحلة بحرية شاهدنا فيها واجهة باكو البحرية ورأينا ساحة العلم الأذربيجاني الكبير الذي يعد الأكبر في العالم، وكذلك العجلة الدوارة الكبيرة، ولا يمكن للعين أن تتجاوز أبراج الشعلة.
جبل ينفث لهباً
صباح اليوم الثاني انطلقنا إلى قرية جالا حيث تقع في وسط شبه جزيرة أبوشيران شرق العاصمة باكو. هذه القرية احتضنت معبد النار - محج القرية أشبه بمتحف تاريخي للعصور الماضية في أذربيجان لما تحتوي من آثار تاريخية لا زالت ماثلة لليوم.
ومن النار التي دوام الإنسان على إشعالها إلى النار التي رعتها الطبيعة حيث مرت الجولة على جبل النار الذي ينفث اللهب من صخوره منذ سنين عديدة بفعل تسريبات من جيب غازي تحت الأرض.
في الأعالي كانت محطاتنا في اليوم الثالث حيث قصدنا قوبا وصعدنا إلى منطقة «شاهداج » على متن التلفريك، وقضينا في المساء عدنا لفندق فيرمونت في باكو لقضاء الليلة الأخيرة، وقضينا قبله ليلة في فندق بوليفارد ذا ال 800 غرفة والذي يحمل تصنيف خمس نجوم، كما قضينا ليلة في أنتوريست أقدم الفنادق في باكو والذي ناهز عمره 90 عاماً. ودعنا باكو بجوها اللطيف المعتدل مقارنة بالحر اللاهب في منطقة الخليج على أجنحة الصقر الذهبي عائدين للمنامة بصور ومشاهد ننقلها لقرّاء «السياحي