غابات ومزرعة موت في سراييفو ومفتاح الجنة في البوسنة!

قرأت أن في العصور الماضية كانت الكنيسة في أوروبا تبيع صكوك الغفران التي تفتح أمام مشتريها أبواب جنة الفردوس بعد الموت. ظننت أن هذه الممارسة بادت مع تلك العصور إلا أني وجدت رجلاً في البوسنة يحمل مفاتيح الجنة.

 للوهلة الأولى ظننته يمزح حتى أخرج علاقة مفاتيح وتسمر بصري عند مفتاح فضي اللون كبير الحجم ومميز الشكل. وأشار لي أن هذا مفتاح الجنة لم أفوت الفرصة فالتقطت صورة مع المفتاح وصاحبه.
البوسنة تعد من جِنان )حدائق(الأرض فقد حباها الله بنهر البوسنة)التي تعني باللاتينية المياه الجارية( النابع من سفح جبل إيغمان الواقع جنوبي الب اد على مقربةٍ من العاصمة والذي أخذت الدولة اسمها منه وأنهار أخرى مدت أذرعها في هذه الأرض ونشرت الخضرة أشكالاً وأنواعاً مختلفة منمزروعات شتى.
الخليجيون بالعادة يزورون سراييفو صيفاً، ولكني قصدتهامع مجموعة من الأصدقاء شتاءًا وبالتحديد أواخر الشتاء لرى ما يكشفه بساط الثلج الأبيض الذي بدأ بالانحسار والتراجع شيئًا فشيئًا ليتحول الجليد ماءًا يغذي الأنهار والأرض التي تستعد لارتداء حلتها الخضراء.
شرارة حرب
موقع البوسنة في جنوب شرق أوروبا منحها امتيازًا طبيعيًا وسياسيًا أيضًا، فأرضها كانت بين امبراطوريتين عظيمتين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية، اللافت في الأمر أن تصارع الامبراطوريتين لم يؤثر بالسلب على البوسنة كثيرًا بل صارت نقطة سلام بينهما وحققت البوسنة ازدهارًا كبيرًا فيها. لكن صراع القوى في القرون ما بين السابع عشر والتاسع عشر احتدم من البوسنة في الحرب العالمية الأولى. «هنا. اغتيل ولي عهد النمسا. الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الأولى ». حدثنا مرشدنا البوسني من فوق الجسر اللاتيني الذي شيد فوق نهر ميلاجيكا مشيرًا لشمال الجسر. البوسونيون يجيدون الاحتفاظ بذاكرة المكان وحددوا موقع قدمي غافريلو برينسيب الصربي الذي اغتال ولي عهد النمسا وزوجه ليشعل شرارة الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها 10 ملايين إنسان.
على خطى المتزلجين
سراييفوا حفرت ذكرياتها المريرة والسعيدة على الأرض وفي المباني في العديد من المواقع، ولعل أشد المواقع إيلاماً للنفس «مزرعة الموت » التي نصبت فيها أنواع مختلفة من الألغام الأرضية التي فتكت بالكثير أثناء الحرب التي اندلعت ما بين عامي 1992 – 1995 م ليكشف جانب من المعاناة التي عاشها البوسنيون. خطنا السياحي رسم وفقاً لبوصلة تشير دوماً للطبيعة فقد اتجهت رحلتنا نحو جبلي بيلاسنيكا وإيغمان الذين استضافا الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 1984 م. مررنا بالنصب الذي تعرض للقصف في الحرب البوسنية، ثم صعدنا للجبل أفرادًا وأزوجًا وكان لكاميرا الهاتف الكلمة العليا في توثيق رحلة الصعود على التفلريك الذي يستخدمه المتزلجون لصعود الجبل. الماء كان في كل مكان لا أذكر أنه غاب عن نوظرنا كثيرًا فأين ما ذهبنا نجد جسورًا نعبر من فوقها النهر، وبحيرات، وشلالات وهذا من الفرادة التي تتمتع بها سراييفو المدينة التي بنيت محضتنة شلالات سبعة حافظ فيها البوسنيون على بكارة الأرض المحيطة بها وبنوا حولها مرافق بسيطة للزوار.
نبع هادر
تتبعنا أصل البوسنة والهرسك فذهبنا في رحلة لمنبع نهر البوسنة في جبل إيغمان، هدير المياه التي تخرج من رحم الجبل كان عاليًا ينذر من يقترب من النهر بقوة التيار المائي. مباني قرية بلاجاج التي كانت في العصور الوسطى حصناً وحولها العثمانيون إلى قرية في القرن ال 15 الميلادي كانت رائعة وجميلة وبنيت متناسقة مع الطبيعة. نزلنا في دار الضيافة التي بنيت قبل 1664 قرب النبع الجبلي تحلت الدار بالروعة حيث بنيت على الطراز العثماني وتناولنا وجبة غذاء بالقرب من نبع البوسنة الهادر. رجعنا للوطن من أراضي البوسنة التي غادرها البساط الأبيض لتخضّ أرضها شيئًا فشيئًا لاستقبال زوار آخرين في مواسم سياحية متعددة.