لوحات فنية وقعها الرومان وحفظها التونسيون «السياحي » تتنقل بين سواحل تونس وأسواقها

Apple, Samsung forecast ...

يحار المحرر في اختيار الصور بعد كل رحلة سياحية فضلًا عن اختياره للكلمات التي سينقل من خلالها ما شاهده والمشاعر التي خالجته. وها هي ذي الحيرة تعاودني بعد عودتي من تونس التي زرتها مجددًا تلبية لدعوة من وزارة السياحة والصناعات التقليدية التونسية.

الدعوة خُصصت للتعرف على السياحة العلاجية والاستشفائية بالمياه التونسية المالحة والحلوة، وقد أفردت الزميلة «الطبي » في عدد مايو ملفًا خاصًا عن الزيارة. وفي المقابل نستعرض في صفحات «السياحي » زيارتنا للمرافق السياحية في تونس.
في أول ساعات الوصول استقبلتنا مرافقتنا سارة بنت يوسف واستعرضت معنا البرنامج في بهو الفندق الذي اخذتنا منه إلى المدينة العتيقة التي كانت نقطة الانطلاق في برنامجنا السياحي فتجولنا فيها طويلًا بين أسواقها التي حافظت على بناءها التقليدي وعكست الثقافات المتعاقبة على تونس في زخرفة مبانيها وأشكالها. وأمتدت على طولها أسواق الحرفيين الذين برعوا في انتاج قطع فنية جمالية يتسابق السياح لشرائها كهدايا يحملونها معهم لأحبائهم في أوطانهم.

قرطاج متحف مفتوح
محطة أخرى مدهشة في تونس ففي قرطاج المدينة الفينيقية التي أُنشأت على الساحل التونسي، المركز التاريخي الذي بدا كمتحفٍ تاريخيٍ مفتوح على صدر الساحل. متحفها الكبير كان كاتدرائية القديس لويس حفظ في جدرانه آثار الفترة الفينيقية البونية، والفترة الرومانية الإفريقية والفترة العربية الإسلامية. وخارجها يقع الحي البونيقي وهو عبارة عن متحف مفتوح لحي سكني بُني في عهد القائد الفينيقي حنبعل ودمره حريق في عام 146 قبل الميلاد وحافظت طبقات من التراب عليه تحتها ثم كشفته التنقيبات الأثرية.
ووصلنا في جولتنا للمسرح الروماني الذي أقامه الرومان أثناء حكمهم لمشاهدة الفنون المختلفة على أرضه، وصار اليوم ساحة للثقافة والفنون حيث تحتضن مهرجان قرطاج الدولي الموسيقي. طيلة الجولة كانت الأعمدة الرومانية واقفة بشموخ رغم السنوات التي تتطاولت عليها لتؤكد مرور الرومان من هنا.

خلوة سيدي بو سعيد
خرجنا عن محيط المدينة باتجاه الساحل وصعدت السيارة على مرتفع صخري الذي تقع فوقه ضاحية سيدي بوسعيد الولي الصالح أبوسعيد خلف ابن يحي التميمي الباجي الذي عاش في الفترة ما بين 1156 – 1231 . وتتميز تونس بوجود الكثير من مقامات الأولياء الصالحين. الضاحية التي تقع فوق ربوة كانت هادئة جدًا وذات طابع معماري مميز وفريد من نوعه فجل بيوت الضاحية بيضاء ذات أبواب عتيقة.
نزلت المرافقة من السيارة ودعتنا للترجل للتجول والتأمل بين بيوت الضاحية التي طليت أغلبها باللون الأبيض، وأغلب أبوابها زرقاء اللون تزدان بزخارف ونقوش عتيقة تداخلت مع مسامير كبيرة دقت فيها لتشكل من ألواح الخشب أبواباً في أشكال هندسية جمعت بين الوظيفة والجمال. ولاحظت اعتزاز أهل الضاحية بالأبواب التي اعتلتها الأقواس كأنها محاريب لصوامع العبادة، كما أن أغلب هذه المباني تعلوها قباب مختلفة الأشكال حتى تخال أن كل مبنى منها مسجدًا أو تابعًا لمسجد.
وقادتنا بن يوسف إلى جهة تطل فيها بوسعيد على المرسى الجميل ذا الشكل البيضاوي وقد رست فيه قوراب حديثة مختلفة الأحجام، وقالت من هنا يمكنكم التمتع بالنظر إلى المرسى ومدينة قرطاج الفينيقية.
ومن ربوة بوسعيد التي اتخذها الولي زاوية للتأمل والتفكر، زرنا مدينة الجم التي تضم في حدودها المسرح الروماني. وفي الممر الذي تسير فيه الوحوش الضارية إلى ساحة المسرح للصراع التقليدي الذي يستمتع بها الرومان بين ناب مفترس ونصل في يد مجالد قاده حظه العاثر لهذه الساحة خالجتني رهبة، الممر انتهى بنا إلى الساحة الكبيرة ذات الشكل البيضاوي، حيث جرت صراع ليشفي صدور نفوس شريرة.
تونس البلد المتوسطي يتميز بتناغم جغرافي رسمت خلاله الطبيعية على أرض الجمهورية الخضراء لوحة فنية اختلط فيه زرقة البحر بخضرة الشجر والرمال الذهبية في الجنوب الذي لم يتهيأ
لنا زيارته. مرافقتنا سارة قادتنا إلى موقع سياحي يفخر به التونسيون افتتحه مؤسس الجمهورية الحبيب بورقيبة سنة 1979 لتنشيط السياحة في منطقة الساحل التونسي.
تصفيق على السفينة
مرسى القنطاوي قريب من مدينة سوسة، وهو في الحقيقة مدينة سياحية مبانيها من فنادق وأسواق وغيرهما بنيت على طراز القرى التونسية التقليدية ذات البيوت بيضاء اللون والشوارع الضيقة التي تكللها الأقواس.
وقالت بن يوسف أن القتطاوي يعتبر من أهم المرافئ السياحية بتونس وتبلغ مساحته 307 هكتار. ويمارس فيه السياح الرياضات المائية المختلفة من السباحة حتى الإبحار، وتقع فيه العديد من ملاعب غولف وهو من الوجهات المشهورة للرياضة الملكية.
على الشاطئ الرملي سمعنا ترديد الموج لحنه الذي يعانق الساحل، ومن بعيد رأينا شخص يسوس جملين يبحث عمّن يركبها من زوارالمرسى. ومررنا بالميناء الذي اصطفته فيه القوراب الحديثة وبينها مرت سفينة ذات شكل تقليدي - وهي شبيهة بالسفن التي نشاهدها في الأفلام التاريخية وخصوصا التي تتناول قصص القراصنة - وعلى ظهرها مجموعة ما بين تونسيون الذين يقصدون المدينة للسياحة والأجانب وقد علت من داخلها أصوات الموسيقى التقليدية التونسية وتفاعل ركابها بالتصفيق.
القنطاوي مرسى بني على الساحل وجلب الماء إلى كل نقطة فيه ففي الميدان بنيت النوافير الكبيرة، وأمام الفنادق أنشأت برك السباحة والحدائق المائية. زرنا قلب مدينة سوسة التاريخية المحاطة بأسوارها وتحصيناتها، إضافة إلى قلعة ريبات والمسجد المركزي ومتحف تاريخي في القصبة مع الفسيفساء والمتحف المرافق لها.
ورثة الفسفيساء
في المتحف وقفنا أمام لوحات فناني الرومان منذ مئات السنين وحافظت على ما تحتويه من صور لآلهة وأبطال الرومان، وكان التونسيون أمناء على هذا الإرث واستعانوا بخبرات عالمية لنقل هذه اللوحات من باحات المسرح الروماني إلى المتحف. دهشت كثيراً من براعة الخبرات في نقل الفسيفساء التي رسمت على الأرض إلى موقعها في المتحف دون أن تعرضها للتلف. حارت الكاميرا في يدي لجمال اللوحات وعلا صوت مغلاق الكاميرا في التقاط الصورة تلو الأخرى.
محطتنا السياحية الأخيرة كانت في ياسمين الحمامات هو منتجع سياحي في مدينة الحمامات السياحية في تونس، أنشأ في أواخر السنوات 1990 . وتم تأسيس هذا المنتجع على غرار مرسى القنطاوي الموجود على شواطئ أسفل خليج الحمامات. وفي اليوم الأخير أخذتنا بن يوسف في جولة في أسواق مدينة تونس لشراء هدايا تذكارية صنعتها أيدي حرفيي تونس، وبعدها أخذتنا لديوان السياحة واستقبلنا هناك رئيس الديوان وزارة السياحة نبيل بزيوش في مكتبه وقدم شكره ل «السياحي » والزميلة «الطبي » وشهادتي شكر وتقدير للمطبوعين. وكان لهذا اللقاء المفاجئ وقعٌ في النفس ومبعث اعتزاز على اللفتة التونسية الرائعة.
تذكرت أثناء رحلة العودة للبحرين عبارة السفير التونسي لدى ممكلة البحرين محمد بن يوسف التي قال فيها أن تونس تسعى هذا العام لاستقطاب مليون زائر من طالبي العلاج والاستشفاء في العام الجاري. وهو طموح يتناسب مع الواقع، ونتمنى لتونس استقطاب السائح رقم مليون قبل نهاية 2018 .