أم أحمد أيقونة الصبر الجميل .... زهراء داوود

تساقطَ من قلمي حبر الألم حينَ شرِعُتُ لكتابة هذا المقال الذي يحكي عن مُعاناة في زمن الكورونا قل نظيرها. أم أحمد أم لشاب توحدي حاربت فيروس كورونا - الذي فتك بجسدها وجسد ابنها - بِكل ما أُوتيت من صبر وقوة إيمان وعزيمة فولاذية متسلحةً بهم لمحاربة الفيروس الفتاك. بالرغم من دموع الألم التي حفرت وجنيتها استحقت أم أحمد أن تكون أيقونة الصبر الجميل.

في سبتمبر الفائِت.. التقيتُ بأم أحمد وحدثتني عن رحلة ألم وأمل شهدتها أثناء إصابة ابنها بفيروس كورونا. الشاب البالغ من العمر 18 ربيعًا مُصاب بالتوحد الشديد ويُعاني من بعض المشاكل الصحية، وللأسف لا يعبر عن نفسه بالكلام ويفصح عن ألمه بضرب نفسه، وإيذاء من حوله أحياناً.

في يونيو الفائت أُصيب أحمد بفيروس كورونا، بدأت درجة الحرارة بالارتفاع مصحوبة بالإسهال الشديد والسُعال الجاف، هُنا بدأت الحيرة والهلع في السيطرة على قلب الأم وإثقال كاهلها.

بدأت الهواجس تتسرب لقلب الأم المثقل، كيفَ سيخضع أحمد لفحص المسحة الأنفية PCR ؟ وماذا سيحلُ بابني التوحدي إن ظهرت النتيجة إيجابية؟ ستكون حياة أحمد مُهددة بالخطر المُحدق بكل تأكيد.

بعد مرور يوم كامل من ظهور الأعراض خضع أحمد لفحص فيروس كورونا الذي أُجري لهُ بصعوبة شديدة جداً ظهرت نتائج المسحة الأنفية إيجابية له وسلبية بالنسبة لأمه.

تقرر دخول أحمد إلى المحجر الصحي لتلقي العلاج، ولكن من سيرعاه؟! الأم المضحية قررت الذهاب مع ابنها للمحجر غير مكترثة للإصابة بالفيروس الذي قد ينتقل لها بالمخالطة.

قلق وجزع اعتصرا قلب الأم ولكنها شعرت بقليل من الإطمئنان عندما أُخبرت بأنهُ سيقيم فترة الحجر الصحي في مجمع الإعاقة الشامل ولكن تأجل افتتاحه وأعيد تجهيزه ليصبح محجر عالي، حدثت نفسها "سيكون واحة أمان للعلاج من كورونا فهو مُؤهل لاستقطاب وتأهيل ذوي الإحتياجات الخاصة"

شُعلة الأمل تلك سُرعان ما انطفئت فقد قضت أم أحمد 5 أيام في المحجر لم تذق طعم النوم نتج عنه إرهاق جسدي ونفسي بدا واضحاً على تقاسيم وجهها ووجه أحمد، ومع ذلك كانت تسعى لإيجاد كُل السبل لعلاج ابنها وتهدئة روعه وفزعه من المكان الجديد، فهو تحدٍ ومهمة لا يعرفها ولا يجيدها إلا ذوو التوحديين.

طيف التوحد لدى أحمد حجب عنه للأسف جزءًا من الرعاية بسبب خشية بعض الكوادر الصحية من تقديم الرعاية الصحية والتأهيل النفسي له، فسلوكياته توحي لهم بأنه قد يؤذيهم. تدهورت حالة أحمد النفسية والجسدية وبدأ التعبير عمّا في داخله بضرب أذنيه طوال الوقت وهذا التصرف الأشد إيلاماً عليه وعلى قلب أمه فهو لا يستطيع أن يُعبر عن ألمه إلا بلغة العنف والإعتداء على من هم حوله.

انهارت أم أحمد بعد أن استنزفت كل طاقتها على الصعيدين النفسي والجسدي، ولكن محطة استراحة لاحت فقد ظهرت نتيجة المسحة الأنفية لأحمد ووالدته سلبيية، وحان وقت العودة للمنزل ولكن؟

الألم الشديد في أذن أحمد لا زال مُستمراً وأحمد مستمرٌ في ضرب نفسه وتمتد يده على أمه أيضًا، وغادرت محطة الراحة وهرعت إلى علاجه واصطحبته إلى طبيب متخصص وصف لها مُضادًا يخفف من إلتهاب أذنيه.

جرعات المضاد لم توقف الأم، وصار رُقود أحمد في مستشفى الطب النفسي أمرًا لازمًا فقد كان يعاني من صعوبة في التنفس بعد إصابته بفيروس كورونا، وانفصل عن أمه التي كانت تقضي فترة عزلٍ صحيٍ في المنزل.

قضت الأم فترة العزل بصعوبة بعيداً عن ابنها.. ومضت الأيام إلى أن عاد إلى أحضان والدته بعد تحسنه.

معاناة نفسية وصحية تعددت محطاتها وقد يتجاوز عدد من يمر بها أحمد وأمه. وكان تهيئة بيئة نفسية صحية مؤُهلة لاستقطاب أصحاب الهمم كفيلة بالتخفيف من حدة الأعراض السلوكية النفسية. هؤلاء الملائكة جزء من المجتمع ولهم حقوق، قلوبهم رقيقة تُخدش بسرعة أمام أي ألم.

فلماذا لا تخصص مراكز ومحاجر صحية خاصة في حال الإصابة بفيروس كورونا تتناسب مع حالتهم وتساهم في تخفيف أوجاعهم  تدار من قبل كادر طبي خاص واخصائيي السلوك ليقدموا الرعاية الصحية الملائمة لهم.

 

 

زهراء داوود

محلل سلوك