العلاج المعرفي السلوكي منهج علاجي جديد نسبيًا في مجال الطب النفسي انطلق في ستينات القرن الماضي على يد الدكتور آرون بك. وهو علاج يعتمد على تبديل الأفكار والمعتقدات غير الصحيحة لدى المريض على يد معالج متخصص بأخرى واقعية. إضافة لتغيير السلوك وحل المشكلات.
د. فاطمة النجار استشارية طب نفسي ومعالج معرفي سلوكي معتمد في مركز ابن حيان الطبي أطلعت الطبي على هذا النوع من العلاج في الحوار التالي:
- ما هو العلاج المعرفي السلوكي؟
هو علاج نفسي يقوم على مبدأ أن المشاعر السلبية وخصوصًا المرضية تكون غالبًا ناتجة عن أفكار واعتقادات غير صحيحة، أي تحتوي على ما يسمى بالتشوهات الفكرية، ولذلك يقوم المعالج من خلال الجلسات بمساعدة المراجع على التعرف على هذه الأفكار وتقييمها ومن ثم استبدالها بأفكار واقعية. كما يشمل أيضًا خططًا لتغيير السلوك وحل المشكلات. وبالتالي ينتج عن هذا التغيير إنهاء المشاعر السلبية والتخلص من التشوهات الفكرية.
بدايات هذا العلاج كانت في مطلع القرن الماضي ولكن التطبيق العملي بدأ في الستينات على يد الدكتور آرون بك الذي يعد المؤسس لهذا العلاج، حيث بدأ باستعماله لعلاج مرضى الاكتئاب وبعدها أجرى العديد من البحوث العلمية التي أثبتت فعاليته ومن ثم وسع نطاق تطبيقه ليشمل الاضطرابات الأخرى. كما ألف العديد من الكتب وأجرى ما يفوق ٦٠٠ بحث في هذا المجال.
وقد وافاه الأجل مؤخرًا في الأول من شهر نوفمبر ٢٠٢١م عن عمر ناهز ١٠٠ عام، بعد أن كرس حياته لترسيخ العمل بهذا العلاج وتطويره والتشجيع عليه.
- هل يقدم في هذا العلاج أدوية؟
العلاج السلوكي المعرفي هو عبارة عن علاج نفسي عن طريق الجلسات ولذلك فهو لا يشمل العلاج الدوائي ولكن قد يتزامن معه. فالشخص قد يتلقى علاج فردي: العلاج السلوكي المعرفي لوحده أو العلاج الدوائي لوحده، أو قد يتلقى العلاجين معًا في نفس الوقت، إذ أنه لا يوجد تعارض بينهما بل قد يتكاملان معًا.
- ما هي الأمراض التي تعالج بهذا النمط من العلاج؟
ذلك يشمل أمراض نفسية عدة منها: الاكتئاب، الوسواس، اضطرابات القلق والخوف كاضطراب الهلع والرهاب واضطراب القلق النفسي العام وغيرها. وقد تختلف الخطة العلاجية التفصيلية تبعًا للتشخيص المرضي الذي يتم التعامل معه.
- متى ينصح باللجوء للعلاج المعرفي السلوكي؟
عندما تكون شدة المرض من بسيطة إلى متوسطة، ويكون المراجع راغبًا في هذا النوع من العلاج، ويظهر من خلال التقييم أنه ملائم له إذ يتطلب العلاج المعرفي السلوكي التزاما من المراجع كما يتطلب وجود قدرات إدراكية مناسبة مع الرغبة في التعاون للوصول للتغيير.
بالإضافة إلى بعض الحالات التي يعتمد علاجها بشكل كبير على العلاج السلوكي، وعلى وجه التحديد حالات الرهاب بجميع أنواعها، حيث يكون تأثير العلاج الدوائي عليها محدود جدًا.
كما ينصح أيضا باللجوء للعلاج المعرفي السلوكي في الحالات التي تتلقى العلاج الدوائي ولكن التحسن يكون جزئي فقط وليس تام خصوصًا فيما يتعلق بالأفكار السلبية وطريقة التعامل معها.
- هل يختص بفئة عمرية محددة؟
كلا، لا يختص بعمر معين. ولكن بالنسبة للأطفال وكبار السن يتطلب توافر الشروط السابق ذكرها فيما يتعلق بالقدرة على التعاون وسلامة الإدراك. ومع ذلك بالإمكان توفير بعض تقنيات العلاج السلوكي المعرفي بشكل متفرق ومخفف مع تقديم المساعدة من المحيطين.
- كم عدد متوسط الجلسات العلاجية؟
المتوسط هو ١٢ جلسة علاجية. وقد تزيد أو تنقص تبعًا للتشخيص وأداء الفرد. حيث أن بعض الاضطرابات تحتاج غالبًا لعدد جلسات أكثر مثل اضطراب ما بعد الصدمة أو الوسواس القهري. أضف إلى ذلك عندما يكون هناك أمراض مصاحبة. فمن المعتاد وجود أكثر من تشخيص في آن واحد وخصوصًا مع أمراض القلق والوسواس والاكتئاب.
- ما هي النتائج المتوقعة من العلاج؟
البحوث العلمية أثبتت أن العلاج المعرفي السلوكي هو علاج نفسي فعال للقضاء على مرض الاكتئاب أو القلق أو التقليل من الأعراض على أقل تقدير. فعند تقديم العلاج بشكل مناسب والتزام المراجع بالخطة العلاجية من الممكن التخلص من الأعراض النفسية التي يشتكي منها المراجع. بالإضافة إلى اكتساب الشخص مهارة جديدة تمكنه من التعامل مع المشاعر المزعجة والأفكار السلبية متى احتاجها ومعالجة الصعوبات التي قد يمر بها في المستقبل بمساعدة المهارات التي تم اكتسابها من العلاج.
- هل من الممكن أن يعود المرض بعد العلاج؟
الانتكاسة بعد العلاج واردة إذ أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على احتمالية معاودة المرض منها العوامل الجينية والبيولوجية والضغوطات التي يتعرض لها الفرد. ولكن كما ذكرنا سابقًا فاكتساب الفرد مهارات العلاج المعرفي السلوكي تمكنه من استخدامها مبكرًا عند الإحساس بأي بوادر لرجوع الأعراض وبالتالي يكون عاملًا مساعدًا لمنع الانتكاسة أو لعلاجها في بدايتها.
- كيف ترين تقبل المرضى للعلاج المعرفي السلوكي؟
يتم تقبله بشكل جيد من الأغلبية خصوصًا من قبل الأشخاص الذين يرغبون في تفادي استخدام الأدوية بسبب الخوف أو الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي بشكل عام والأدوية النفسية بشكل خاص. ولكن من جهة أخرى تكمن الصعوبة في الالتزام والجهد المطلوب بذله من قبل المراجع لنجاح العلاج إذ أن البعض يصعب عليه الالتزام أو متابعة العلاج سواء لأسباب تتعلق بالمرض والظروف الحياتية أو بسبب صفات شخصية يتمتع بها.
- هل من كلمة أخيرة؟
لازالت أغلب المجتمعات تعاني من وصمة المرض النفسي والعلاجات النفسية ولذلك دائماً ما نؤكد أن الأمراض النفسية هي اضطرابات يمكن علاجها. ونشجع الأشخاص الذين يعانون من أعراض نفسية تؤثر سلبًا على حياتهم على الحصول على تقييم من طبيب نفسي لمعرفة التشخيص إن وجد، وتبعًا لذلك يتم مناقشة الخيارات المتاحة للعلاج من علاج دوائي أو علاج معرفي سلوكي أو الإثنان معًا.