التعزيز اللغوي للأطفال المصابين بالسرطان ... شفيقة الدمستاني

إن تجربة معرفة أن طفلك الصغير أو أي طفل بالعائلة مصاب بهذا المرض الفتاك (السرطان) لا بد أن وقعه جلل، فهو يشكل الكثير من التحديات المرهقة لك كأم أو كأب أو كقريب. فرحلة العلاج طويلة وشاقة، محفوفة بالعثرات، ولكن تبقى مليئة بالأمل، تتحلى بروح الإصرار لتذليل الصعاب لهذا الطفل الصغير لينمو وينعم بمستقبل أفضل، كمحاربٍ وناجٍ تفخر به.

وفي هذه الرحلة المليئة بالمفاجآت، فإن تواصلك مع طفلك يعد هو حلقة النجاة الأولى له، أحاديثكما، قصصكما، لعبكما هو ما يهون عليه هذه الرحلة فالأطفال بطبيعتهم البريئة والجميلة المحبة للحياة لا يعرفون لليأس طريق، تبقى ضحكاتهم على شفاههم رغم مرارة العلاج بأجسادهم الصغيرة وتأثيرها على عظامهم الطرية.

في هذا الطريق أنت نافذته للتعرف على الخارج بعيداً عن أسوار الأجهزة المحيطة به والألم، أنت النافذة واليد التي يتمسك بها للتطور ومعرفة الحياة رغم ما يمر به، تذكر في هذا أنك الوجه المألوف الذي يتفاعل معه الذي يطور لغته ويكسبه المعارف وكيف أن يحارب.

ولما لهذه الرحلة من خصوصية لك مع طفلك ولطول الوقت الذي تقضيه معه فإن عمل برنامج تفاعلي خلال اليوم وفقاً لما تسمح له حالته الصحية قد يصنع فارقاً كبيراً، فالأطفال قادرون على التغلب على آلامهم باللعب، فهم فُطِروا ليتعلموا باللعب، فاللعب وسيلتهم للتحدي والتغلب على الصعاب.

لا شك في هذه الرحلة الصعبة ولمحدودية تفاعل الطفل مع العالم الخارجي ومع الخبرات الجديدة والمختلفة، فإن بعض الأطفال وعلى وجه الخصوص الرضع قد يواجهون صعوبة في السمع نتيجة لتأثير العلاج مما يؤدي إلى تأخر في اكتساب اللغة أو استخدامها أو توظيفها أو قد يواجهون صعوبة في التواصل أو استغراق وقت أطول في الاستجابة للأسئلة والكثير من الاضطرابات المتعلقة بالنطق واللغة.

ولذلك فإن التدخل المبكر والتعزيز الدائم لتواصل ولغة طفلك في هذه المرحلة تعد النقطة الفاصلة التي قد تساعد طفلك في تخطي التأخر اللغوي أو الحد من شدته.

بالنسبة للأطفال الرضع دون عمر السنتين فإن تقليل الوقت أمام الأجهزة اللوحية أثناء العلاج والاقتصار عليه لتهدئته فقط في الحالات الحرجة والملحة والضرورية جداً يقلل بشكل فعّال مما يسمى بالتأخر اللغوي الافتراضي.

مهارات اللعب بالألعاب بعد استشارة الطبيب المسؤول وتعقيمها بشكل مناسب لعباً صحيحاً وظيفياً وتخيلياً، التواصل البصري وتبادل الأدوار وخلق الأجواء المرحة وتبادل الدعابات ومشاركته الأنشطة المختلفة أثبتت فعاليتها في تحسين الصحة النفسية للطفل وتعزيز تواصله اللفظي والجسدي.

قراءة القصص بشكل يومي والتنويع منها ومشاركة الطفل في قراءتها وتعريفه على المفردات المختلفة فيها هي المفتاح لمهارات تكوين الجمل، مهارة سرد القصص بالإضافة إلى مهارات أخرى كالإجابة على الأسئلة ربط الأحداث التحليل والتفسير عند سؤال الطفل عن القصة أو ما قد ترمز له أو تعني له فتتعرف على مكنونات ذاته.

وللأطفال قبل سن المدرسة، فإن مهارة مسك القلم وكتابة الأحرف والأرقام والتلوين ضمن الحدود ومحاولة كتابة الكلمات البسيطة ضمن المهارات الأساسية التي يبدأ الأطفال اكتسابها في هذا العمر وذلك لضمان تماشيه مع باقي أقرانه.

في نهاية المطاف، تبقى تجربة عظيمة، تقلب كل الموازين، تغير كل المشاعر في قلبك ومن حولك، رحلة مليئة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولكن تأكد إنك قادر على تخطيها وقادر على مساعدة طفلك في تخطيها ونحن معك قلباً وقالباً في هذه الرحلة ونشد على يديك ونسأل الله العون فيها.

 

 

شفيقة الدمستاني

أخصائية السمع والنطق