عندما نتأمل مقولة المؤلف الروسي "ليو تولستوي" في روايته آنا كارنينا: "جميع العائلات السعيدة متشابهة، لكن كل عائلة تعيسة تكون غير سعيدة بطريقتها الخاصة"، يقودنا ذلك إلى استنتاج مفاده أنّ البيئة الأسرية غير السوية لها تأثيرات لا تعد ولا تحصى على أفرادها. قد تكون هذه التأثيرات متعلقة بشخصية الأفراد، قدرات الاتصال، مشكلات التعلق، والعنف الأسري.
لكننا نقف بشكل أكثر تعمقًا أمام قول "تولستوي": جميع العائلات السعيدة متشابهة". وهنا نسأل أنفسنا: هل توجد عائلتان متشابهتان؟ أو حتى شخصين متشابهين؟! والمعنى الجوهري هل أنّ الأشخاص من العائلات السعيدة تكون حياتهم بلا مشاكل إذا خرجوا بمنأى عن البيئة التي ترعرعوا فيها؟
إنّ عائلاتنا هي التي تشكلنا جميعًا بطريقة ما، ويستمر تأثيرها علينا مدى الحياة. فالمرشد الأسري يتعامل مع الأسرة كنظام، للتوصل للمشكلات التي يعاني منها فرد من أفرادها.
تشير بعض النظريات إلى أنّ الآباء ومقدمي الرعاية يقدمون محفزات بيئية مهمة عندما يكون الدماغ لا يزال في طور التكوين، مما يؤثر على كيفية تطور الدماغ. ومع نمو الأطفال، فأنهم يستمرون في البحث عن معلومات حول العالم وأنفسهم. فيقوم الآباء أيضًا بتعليمهم ومساعدتهم على تعلم العديد من المهارات الأساسية: كيفية التحدث، المشي، ربط الأحذية، استخدام الأدوات، والأهم من ذلك التفاعل مع الآخرين. فالآباء هم المعلمون النهائيون.
وحسب مقال منشور بالموقع الأمريكي"الإرشاد اليوم" ، أنّ هناك دراسة قد توصلت إلى أنّ الأطفال يتعلمون القدرة على تحديد عواطفهم والتحكم فيها، والتعبير عن مشاعرهم في المواقف المختلفة عن طريق النمذجة والملاحظة والسياق الاجتماعي، لا سيما في البيئة الأسرية. ووفقًا للمقال، فإنّ أهم العوامل الأسرية التي تؤثر على التنظيم العاطفي هي: أسلوب الأبوة، وقوة الارتباط العاطفي بين الوالدين والأطفال. وأنّ دروس التنظيم العاطفي المستفادة داخل الأسرة مهدت الطريق لمزيد من التعلم العاطفي والاجتماعي من مصادر أخرى مثل الأقران.
وبالمقابل فإن بعض العائلات لا تشكل نموذجًا للتنظيم العاطفي الصحي لأطفالها، وقد يكون ذلك بسبب سوء المعاملة، الإهمال، أو ببساطة قد يكون الوالدان لم يتعلموا أبدًا تنظيم عواطفهم. وغالبًا ما يواجه الأطفال الذين لا يتعلمون الإشارات العاطفية والاجتماعية في المنزل، صعوبة في التعامل مع أقرانهم والمعلمين. ويكونون أكثر عرضة لتدني التحصيل، وتطور صعوبات التعلم واضطراب السلوك.
وجدت العديد من الدراسات أنّ دعم الأسرة يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في الوقاية أو علاج العديد من المشكلات التي يواجهها الفرد. نحن كبشر، لا نعيش في عزلة، ولا تحدث ضغوطاتنا بمعزل عن الآخرين، ولذلك فالتعامل مع هذه المشكلات لا يكون في عزلة أيضًا، وهذا ما يركز عليه الإرشاد الأسري.
ريحانة حبيل
قيادية تربوية