حروف ستصيبك بالدهشة ! ... ريحانة حبيل VWFA

لا زالَ العلمُ يكشف النقاب عن اكتشافاتٍ جديدة، فتضمحل أمامها الأفكار التي كانت تجوب خواطر العديدين لسنوات.. بعد أن علمنا حديثًا بإمكانية تطوير أدمغتنا ما دُمنا نُفكّر. تحمل لنا هذه السُّطور معلومةً أُخرى.. هل تعلم بأنّ في دماغك مِنطقة أشبه ما تكون بمساحةٍ سحرية لغتها الكلمات والحروف؟! وهي المسؤولة عن تعلُّم القراءة. أترككم مع أحدث الدراسات، والتي قامت بها جامعة ولاية أوهايو.. رحلة ممتعة مع تفاصيل هذا البحث.

نقلًا عن الموقع الأمريكي "ساينس ديلي" توصلت دراسة حديثة (أكتوبر ٢٠٢٠م)  إلى أنّ البشر يولدون بجزء من الدماغ مجهّز مسبقًا ليكون متقبلاً لرؤية الكلمات والحروف، مما يُمهّد الطريق عند الولادة لتعلُّم القراءة.

قامَ الباحثون بعملية مسح أدمغة أطفال حديثي الولادة، وتوصلوا لوجودِ جزءٍ من الدماغ يُسمى «The Visual Word Form Area» منطقة شكل الكلمات المرئية، التي تُدعى اختصارًا (VWFA) متصلة بشبكة اللغة في الدّماغ.

 

قالت زينب سايجين، كبيرة باحثي الدراسة وأستاذة علم النفس المساعدة في جامعة ولاية أوهايو: "هناك أرضٌ خصبة لتطوير الحساسية للكلمات المرئية حتى قبل التعرض للغة".

 

افترض بعض الباحثين أنّ منطقة شكل الكلمات المرئية تنشط فقط لدى الأفراد المتعلمين، وأنها تظهر بشكل واضح لدى الأفراد الذين تعلموا القراءة. وكانت فكرتهم أنّ هذه المنطقة لا تختلف عن الأجزاء الأخرى من القشرة البصرية الحساسة لرؤية الوجوه، المشاهد، أو الأشياء الأخرى، وتصبح انتقائية فقط للكلمات والحروف عندما يتعلم الأطفال القراءة أو على الأقل عندما يتعلمون اللغة.

 

قالت سايجين: "وجدنا أن هذا ليس صحيحًا. حتى عند الولادة، منطقة شكل الكلمات المرئية ترتبط وظيفيًا بشبكة اللغة في المخ أكثر من ارتباطها بالمناطق الأخرى".  وهذا الاكتشاف مُثيرٌ للدهشة !

 

أجرت سايجين -وهي عضو هيئة تدريس أساسي في برنامج إصابات الدماغ المزمنة بولاية أوهايو -الدراسة مع طلاب الدراسات العليا "جين لي " و"هيذر هانسن" والأستاذ المساعد "ديفيد أوشر"، وجميعهم متخصصين في علم النفس في ولاية أوهايو. وتم نشر نتائج الدراسة  في مجلة "Scientific Reports".

حلل الباحثون فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة 40 طفلًا من الأطفال حديثي الولادة، وكلهم أعمارهم أقل من أسبوع، وقارنوا هذه الفحوصات بمسح مماثل لـ 40 بالغًا.

فكانت النتيجة أنّ منطقة شكل الكلمات المرئية تمثلت في أجزاء بجوار القشرة البصرية التي تعالج الوجوه، وكان من المعقول الاعتقاد بعدم وجود أي اختلاف في هذه الأجزاء من الدماغ عند الأطفال حديثي الولادة، كما كان سائدًا في السنوات المنصرمة، وكما ذكرنا آنفًا اعتقاد العديد من الباحثين بأنّ منطقة (VWFA) لا تنشط ولا تظهر بوضوح عند الأطفال إلا إذا تعلموا القراءة.

كأشياء بصرية، تتمتع الوجوه ببعض الخصائص هي نفسها التي تتمتع بها الكلمات، مثل الحاجة إلى دقة مكانية عالية ليراها البشر بشكل صحيح.

لكن الباحثين وجدوا أنه حتى عند الأطفال حديثي الولادة، كانت مساحة شكل الكلمات المرئية مختلفة عن جزء القشرة البصرية الذي يتعرّف الوجوه، ويرجع ذلك أساسًا إلى ارتباطها الوظيفي بجزء معالجة اللغة في الدماغ.

 

وبذلك تكون هذه المنطقة متخصصة في رؤية الكلمات حتى قبل أن نتعرض لها. ومن المثير للاهتمام هو تفكيرنا في كيف ولماذا تطوِّر أدمغتنا وحدات وظيفية حساسة لأشياء محددة مثل الوجوه والأشياء والكلمات.

أكدت هذه الدراسة على وجود روابط دماغية بالفعل لدى المولود تساعد في تطوير وظائف متخصصة، حتى بالنسبة لمهارة تعتمد على الخبرة مثل القراءة.

 

أسفرت الدراسة عن وجود بعض الاختلافات في منطقة شكل الكلمات المرئية لدى الأطفال حديثي الولادة والبالغين؛ حيث أن هذه المنطقة تنضج بشكل أكبر كلما تقدم الفرد في العمر.

فالخبرة في اللغة المنطوقة والمكتوبة تعزز الروابط مع جوانب محددة من شبكة اللغة، وتميز بشكل أكبر وظيفة هذه المنطقة عن جيرانها مع اكتساب الفرد مهارات القراءة والكتابة.

 

يقوم مختبر سايجين في ولاية أوهايو حاليًا بمسح أدمغة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 4 سنوات لمعرفة المزيد حول وظيفة منطقة شكل الكلمات المرئية قبل أن يتعلم الأطفال القراءة، وماهية الخصائص البصرية التي تستجيب لها هذه المنطقة.

الهدف من الاستمرار في البحث في هذا الجانب، هو معرفة المزيد عن الفروق الفردية في تعلم القراءة، ومن المرجح أن يكون هذا مفيدًا في دراسة عسر القراءة واضطرابات النمو الأخرى.

إنّ معرفة وظيفة هذه المنطقة في هذه السن المبكرة سيخبرنا بالمزيد عن كيفية تطوير الدماغ البشري للقدرة على القراءة، وما قد يحدث بشكل خاطئ فيمنع أو يُعرقل تعلُّم الفرد للقراءة. ومن الأهمية بمكان تتبُّع كيف تصبح هذه المنطقة من الدماغ متخصصة بشكل أكثر دقة، فهذا يُفضي لتساؤلات ونتائج أخرى تتطلب عدم التوقف عن وضع الدماغ تحت مجهر الأبحاث والدراسات.

 

ريحانة حبيل

اختصاصية صعوبات تعلم