“كورونا” ساهمت في نشر الوعي بأهمية النظام الغدائي الصحي 1 - 2 د. عبدالصمد جابون

سنة 2020 تصادف الذكرى العاشرة لإعلان منظمة اليونسكو نظام البحر المتوسط الغذائي تراثًا ثقافيًا غير مادي، في هذا الإطار، وبهذه المناسبة أدعو إلى ضرورة حماية النظم الغذائية التقليدية وتنميتها لأهميتها وموقعها الذي تستحقه في أذهان شعوب المنطقة العربية والإسلامية، ويركز على الحاجة الملحة إلى تحويل مقاصد منظومتنا الغدائية من هدف تناول الطعام للتغلب على الجوع إلى هدف أسمى وأرقى يتجلى في استهلاك طعام مغذي مفيد وشامل للإحتياجات الأساسية لضمان صحة جيدة ومناعة قوية.

بداية، وجب علينا الإعتراف بأن لجائحة كورونا “إيجابيات” كما لها حتما “سلبيات”، فكما جاء في الأثر: “لعل الخير يكمن في الشر”. هذه الجائحة، وكما لاحظنا جميعًا، جعلت القاصي والداني، المتعلم وغير المتعلم، يعيد النظر في منظومة حياته جملة وتفصيلًا، وبالتالي التوجه إلى تبني عادات سليمة قدر المستطاع من أجل تجنب ما أمكن خطر الإصابة. ومن بين هذه العادات الصحية، نجد الإهتمام الملحوظ والمتزايد بالمناعة الذاتية وتقويتها بكافة السبل المتاحة باعتبارها آلية دفاعية أساسية تندرج ضمن سلسلة التدابير الإحترازية الذاتية للوقاية من خطر العدوى. كيف لا وجائحة كورونا أجبرتنا، جميعا وبدون استثناء، على تحمل مسؤولية سلامتنا الصحية في غياب أو بالأحرى تأخر إصدار تطعيم ضد هذا الوباء. وفي ظل كل هذه المعطيات وغيرها، يبقى تقوية جهازنا المناعاتي وتدعيمه هو الخيار الوحيد المتوفر حاليا للنجاة أو على الأقل للمقاومة في أفق الإستفادة من اللقاح في الأمد القريب. من هنا يتبين أن ارتفاع منسوب الوعي بأهمية المناعة الذاتية لدى أفراد المجتمع جد ضروري لضمان الأمن الصحي.

 

هناك علاقة وطيدة بين التغدية الصحية والمناعة على ضوء التوجيهات التي جاءت بها، على سبيل المثال لا الحصر، الإستراتيجية الوطنية للتغدية التي أعدتها مديرية السكان التابعة لوزارة الصحة المغربية نموذجًا.

فالغذاء الصحي هو غداء متوازن يحتوي عمليًا على جميع العناصر الغذائية الضرورية من ڤيتامينات وأملاح معدنية وبكميات مناسبة للحاجيات اليومية، لسلامة النمو وإمداد الجسم بالطاقة والمناعة لمقاومة الأمراض. وعليه، فإن حصول أي خلل على مستوى التغذية، سواء بالإفراط أو بالتفريط، يؤدي إلى حدوث اضطرابات غذائية تؤثر سلبًا وبشكل كارثي على الجهاز المناعاتي الذي يصبح هشًا ضعيفًا وغير قادرًا على التصدي، وهذا ما يرفع من فرص الإصابة بالأمراض ولاسيما في ظل هذه الجائحة. وبناء على كل ما سبق ذكره، وجب اعتماد تغدية صحية سليمة مبنية على التنوع والتوازن خلال جميع المراحل العمرية وبدون استثناء قصد تأمين مناعة على أعلى مستوى تتميز بالقوة والمتانة، تكون قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر كيف ما كانت، والإبتعاد وبشكل قطعي عن “الإهتمام المناسباتي والظرفي” بجودة غداءنا لأنه وبكل بساطة: ما بُني على باطل فهو باطل.

 

د. عبدالصمد جابون

استشاري طب بدني وإعادة التأهيل الحركي

المملكة المغربية