البكتيريا المقاومة…الجائحة الخفية ... زينب محمد رضا

البكتيريا كائنات حية لا تُرى بالعين المجردة (مجهرية) وتعيش في كل بيئة ووسط حول العالم، ليست كل البكتيريا ضارة، حيث تعيش بعضها داخل أجسامنا ويطلق عليها اسم البكتيريا النافعة   Probiotics، تتواجد بعضها في الأمعاء وتساعد على هضم الطعام، كما أنها تساهم في صنع بعض الفيتامينات.

تساهم البكتيريا النافعة أيضًا في حماية أجسامنا من البكتيريا الضارة وذلك عن طريق إنتاج الأحماض التي تمنع نمو البكتيريا وتحفز جهاز المناعة لمحاربتها، إلا أن ذلك لا يعد كافيًا لمحاربة البكتيريا الضارة، فقبل اكتشاف المضادات الحيوية كانت نسبة موت الأطفال بسبب التهاب السحايا تصل إلى 90 %، بالإضافة إلى أن التهابات الأذن كانت تنتقل إلى الدماغ وتؤدي لمشاكل خطيرة. تُعرف المضادات الحيوية بأنها أدوية تستخدم لمحاربة الالتهابات البكتيرية داخل الجسم أو الوقاية منها.

 

في العام 1928م اكتشف العالم الكسندر فلمنج أول مضاد حيوي وهو البنسلين (Penicillin)،  وبدأ بعلاج المرضى في العالم 1941م حيث كان بمثابة المنقذ في ذلك الوقت من عدة أمراض خطيرة. لاحقًا وبعد اكتشاف العديد من أنواع المضادات الحيوية واستخدامها لوحظ أن البكتيريا الضارة داخل أجسامنا تستطيع تغيير نفسها بهدف تطوير قدرتها على مقاومة المضادات الحيوية مما زاد من صعوبة معالجة الأنواع الشائعة من العدوى ومخاطر انتشار الأمراض والوفاة. مثال على ذلك، تقوم بعض المضادات الحيوية مثل الأموكسسلين  (Amoxicillin)بتكوين حلقة تسمى Beta lactam ring وهي المسؤولة عن تثبيط تكوّن جدار الخلية البكتيرية ومقاومتها، وبعد كثرة استخدام الأموكسسلين أصبحت بعض البكتيريا تفرز إنزيم بيتا لاكتاميز (Beta lactamase enzyme)  والذي يقوم بدوره بكسر هذه الحلقة مما يؤدي لإضعاف عمل هذا النوع من المضادات أحيانًا.

 

أسباب مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية:

 

تستخدم البكتيريا ثلاث آليات رئيسية لمقاومة المضادات الحيوية وهي كالتالي:

  1. تفرز البكتيريا بعض الإنزيمات المحللة للأدوية المضادة مما يساهم في تدمير عملها.
  2. تغيّر البكتيريا البروتينات البكتيرية الموجودة على سطحها والتي تشكل أهدافًا للمضادات الحيوية لمحاربتها، فبالتالي تفشل المضادات في استهداف البكتيريا.
  3. تقوم البكتيريا بتغييرات في نفاذية الغشاء المحيط بها مما يقلل قدرة دخول المضادات الحيوية فيؤدي ذلك إلى مقاومة عدة أنواع من المضادات.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت بعض الاستخدامات والممارسات من قبل أفراد المجتمع في انتشار وزيادة مشكلة مقاومة البكتيريا، حيث يعد الإفراط في استخدام المضادات الميكروبية لدى الإنسان والحيوان والنبات سبب رئيسي لهذه الظاهرة. كما أن الاستخدام الخاطئ وعدم الالتزام بالخطة العلاجية يشكل أحد الأسباب المهمة، ومن الممكن أن يشارك التشخيص الخاطئ من قبل الطبيب ووصف المضادات غير المناسبة في انتشار هذه الظاهرة، أضف إلى ذلك عدم النظافة وقلة التدابير للوقاية من العدوى وقلّة الوعي المجتمعي.

 

وكدلالة على جدية هذه المشكلة فإن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 2.8 مليون شخص يصابوا بالتهابات مقاومة للمضادات الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية كل سنة، ويموت أكثر من 35 ألف شخص نتيجة لذلك. وبالاستناد إلى دراسة تم إجراؤها في فرنسا امتدت على نحو 13 سنة، تم التوصل إلى أن معدل الوفيات لدى المرضى الذين يعانون من مقاومة البكتيريا في العناية المركزة أعلى من غيرهم، كما أن مدة إقامتهم أطول.

 

توصيات منظمة الصحة العالمية للوقاية والمكافحة:

 

أطلقت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الخطوات التي يجب اتخاذها من قبل جميع أفراد المجتمع بهدف الحد من تأثير مقاومة البكتيريا وتقليل نطاق انتشارها، وأوضحت المنظمة أنه بإمكان الأفراد أن يقوموا في إطار سعيهم إلى الوقاية من انتشار مقاومة المضادات بما يلي: ضرورة الاستشارة الطبية قبل أخذ المضاد الحيوي ويجب عدم استعماله بدون وصفة طبية، واتباع نصائح الممارسين الصحيين عند تناول المضاد والالتزام بالجرعات الموصى بها، مع الحرص على غسل اليدين وإعداد الطعام الصحي وتجنب مخالطة المرضى والمواظبة على تحديث ما يأخذونه من لقاحات.

 

 

زينب محمد رضا

صيدلانية إكلينيكية